قال الزجاج: وقد فسّر له يعقوب الرؤيا، فالتأويل: أنه لما قال يوسف: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً تأول لأحد عشر نفساً لهم فضل وأنهم يستضاء بهم، لأن الكواكب لا شيء أضوء منها، وتأول الشمس والقمر أبويه، فالقمر الأب، والشمس الأم، والكواكب إخوته، فتأول ليوسف أنه يكون نبياً وأن إخوته يكونون أنبياء، لأنه أعلمه أن الله تعالى يتم نعمته عليه وعلى إخوته، كما أتمها على أبويه إبراهيم وإسحاق. ويقال: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ حين رأى إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه، فأمره الله تعالى أن يفديه. وروي عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس:«أنه كان يجعل الجد أباً» ، ثم يقرأ هذه الآية: كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ ثم قال: إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يعني: عَلِيمٌ بما صنع به إخوته، حَكِيمٌ بما حكم من إتمام النعمة عليه.
قوله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ قرأ ابن كثير: «آية» بلفظ الوحدان، وهكذا قرأ مجاهد. يعني: فيه علامة لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وقرأ الباقون: بلفظ الجماعة آياتٌ وهذا موافق لمصحف الإمام عثمان. حكى أبو عبيدة: أنه رأى في مصحف الإمام هكذا، ومعنى الآية: أن في خبر يوسف وإخوته عبرة وموعظة لمن سأل عن أمرهم.
قال ابن عباس:«وذلك أن حبراً من أحبار اليهود، دخل على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم، وكان قارئاً للتوراة، فوافق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة، فقال له الحبر: يا محمد، من علمكها؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الله علمنيها» . فرجع الحبر إلى اليهود، فقال لهم:
أتعلمون، والله إن محمداً يقرأ في القرآن سورة يوسف كما أنزلت في التوراة؟ فانطلق بنفرٍ منهم حتى جاءوا ودخلوا عليه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته ويتعجبون، فقالوا: يا محمد، من علمكها؟ قال:«الله علمنيها» ، فنزلت: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ.
قال الشيخ: وكان بدء أمرهم أن يعقوب عليه السلام كان مع خاله، وكان لخاله ابنتان إحداهما يقال لها:«لايا» ، ويقال:«لاوى» ، وهي أكبرهما، والأخرى «راحيل» وهي أصغرهما، فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما، فقال له: هل لك مال؟ قال: لا ولكن أعمل لك. قال: صداقها أن ترعى لي سبع سنين. وفي بعض الروايات قال: أن تخدمني سبع سنين.
وقال يعقوب: أخدمك سبع سنين على أن تزوجني راحيل، وهي شرطي، قال: ذلك بيني وبينك. فرعى له يعقوب سبع سنين، فلما قضى الأجل زفت إليه الكبرى، وهي لايا. فقال له يعقوب: إنك خدعتني، وإنما أردت راحيل، فقال له خاله: إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة،