للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم خوفهم بالموت ليهاجروا فقال عز وجل: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ لأنهم كانوا يخافون على أنفسهم بالخروج، فقال لهم: لا تخافوا فإنَّ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم. قرأ عاصم في رواية أبي بكر يَرْجِعُونَ بالياء بلفظ المغايبة على معنى الخبر عنهم. وقرأ الباقون بالتاء على معنى الخطاب لهم.

ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: صدقوا بالله ورسوله وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: الطاعات وهاجروا، فسمى الهجرة من الأعمال الصالحة لأنها كانت فريضة في تلك الأوقات لَنُبَوِّئَنَّهُمْ يعني: لننزلنهم ولنسكننهم. مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً يعني:

غرفاً من الجنة. قرأ حمزة والكسائي: لنثوينهم بالثاء، وقرأ الباقون لَنُبَوِّئَنَّهُمْ بالياء، فمن قرأ بالثاء فهو من ثويت بالمكان، يعني: أقمت به، كقوله وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ [القصص: ٤٥] ومن قرأ بالباء يعني: لننزلنهم، وذكر عن الفراء أنه قال: كلاهما واحد، بوأته منزلاً أي أنزلته، وأثويته منزلاً يعني: أنزلته سواء، كقوله وَما كُنْتَ ثاوِياً.

ثم قال: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ يعني: ثوابهم ثواب الموحدين.

قوله عز وجل: الَّذِينَ صَبَرُوا على الهجرة. ويقال: صبروا على أمر الله تعالى.

وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يعني: يثقون به ولا يهتمون للرزق، لأنهم كانوا يقولون: كيف نهاجر وليس لنا مال ولا معيشة، فوعظهم الله ليعتبروا.

[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦٠ الى ٦٣]

وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَّآءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (٦٣)

قال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ يعني: وكم من دابة في الأرض أو من طائر في السماء لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا معها ولا يجمع الغذاء إلا النملة والفأرة ويقال لا تخبئ زرقها. ثم قال: اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ يعني: يرزق الدواب حيث ما توجهت، وإياكم إذا هاجرتم إلى المدينة. وَهُوَ السَّمِيعُ لمقالتكم الْعَلِيمُ بكم.

ثم قال عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ يعني: كفار مكة مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ يعني: من أين يكذبون بتوحيد الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>