يوم بدر. وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً يعني: عجزاً عن القتال. فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ، يعني: محتسبة صادقة، يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من المشركين. وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ من المشركين بِإِذْنِ اللَّهِ، يعني: بأمر الله تعالى وبنصرته. وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بالنصرة لهم على عدوهم.
وقال مقاتل: لم تكن فريضة، ولكن كان تحريضاً، فلم يطق المؤمنون، فخفف الله عنهم بعد قتال بدر فنزل: الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وروى عكرمة، عن ابن عباس أنه قال:«فرض على المسلمين أن لا يفر رجل من عشرة، ولا عشرة من مائة، فجهد الناس وشقّ عليهم، فنزلت هذه الآية «١» : الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ففرض عليهم أن لا يفر رجل من رجلين، ولا قوم من مثلهم، فنقص من النصرة بقدر ما نقص من العدد. وروى عطاء، عن ابن عباس قال:«من فرّ من رجلين فقد فرّ، ومن فرّ من ثلاثة لم يفر» . قال الفقيه: إذا لم يكن معه سلاح ومع الآخر سلاح، جاز له أن يفر، لأنه ليس بمقاتل.
قوله تعالى: مَا كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى يقول: ما ينبغي وما يجوز للنبيّ أن يبيع الأسارى، يقول: لا يقبل الفدية عن الأسارى، ولكن السيف حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ، يعني:
حتى يغلب في الأرض على عدوه. قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: فَانٍ تَكُنْ كلاهما بالتاء بلفظ التأنيث، لأن لفظ جماعة العدد مؤنث، وقرأ أبو عمرو الأولى خاصة بالياء، والأخرى بالتاء. وقرأ الباقون كلاهما بالتاء بلفظ التذكير، لأن الفعل مقدم. وقرأ حمزة وعاصم وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً بنصب الضاد وجزم العين، وقرأ الباقون بضم الضاد، ومعناهما واحد: ضَعْف وضِعْف، وهما لغتان. وقرأ بعضهم ضعفا بضم الضاد ونصب العين، وهي قراءة أبي جعفر المدني يعني: عجزة.
قوله تعالى: تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا، يعني: الفداء وروي عن ابن عباس قال: «لما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: «ما تَرَوْنَ في هَؤُلاءِ الأُسَارَى» ؟ قال أبو بكر: يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة، أرى لهم أن تأخذ منهم الفدية فتكون لنا عدة على الكفار، ولعل الله يهديهم الإسلام. وقال عمر: أرى أن تمكننا منهم، فنضرب أعناقهم. فهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يفعل ما قال أبو بكر، قال عمر: فلما كان من الغد
(١) عزاه السيوطي: ٤/ ١٠٢ إلى البخاري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي.