وأهلكهم بِذُنُوبِهِمْ وشركهم. ثم قال: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ، يعني: قَوِيٌّ في أخذه، شَدِيدُ الْعِقابِ لمن عصاه.
قوله تعالى: ذلِكَ العذاب الذي نزل بهم، بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ في الدين والنعم. فإذا غيّروا، غيّر الله عليهم ما بهم من النعمة وهذا قول الكلبي. وروى أسباط، عن السدي في قوله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ قال:
أنعم الله تعالى بمحمد صلّى الله عليه وسلّم على أهل مكة وكفروا به، فنقله إلى الأنصار. ويقال: أطعمهم من جوع، وأمنهم من خوف، فلم يشكروا، فجعل لهم مكان الأمن الخوف، ومكان الرخاء الجوع.
وهذا كقوله: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً إلى قوله فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: ١١٢] وقال الضحاك: ما عذب الله قوماً قط ولا سلبهم النعمة، ولا فرق بينهم وبين العافية، حتى كذبوا رسلهم، فلما فعلوا ذلك ألزمهم الذل وسلبهم العز، فذلك قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ثم قال:
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ سَمِيعٌ لمقالتهم، عَلِيمٌ بأفعالهم.
ثم قال: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ في الهلاك. وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، يعني: بكفرهم، وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ يعني: فرعون لادعائه الربوبية، ولأنهم عبدوا غيري. وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ، يعني: مشركين. ومعناه: كصنيع آل فرعون وقد أعطاه الله تعالى الملك والعز في الدنيا، ولم يغير عليه تلك النعمة، حتى كذب بآيات الله، فغيَّر الله عليه النعمة وأهلكه مع قومه.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٥ الى ٥٩]
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩)
قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ، قال ابن عباس:
«نزلت في بني قريظة، كعب بن الأشرف وأصحابه، لأنهم عاهدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثم نقضوا العهد وأعانوا أهل مكة بالسلاح على قتال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثم قالوا: نسينا وأخطأنا، فعاهدهم مرة أُخرى، فنقضوا العهد» ، فذلك قوله تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ يعني: في كل حين وفي كلّ وقت وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ نقض العهد.
قوله تعالى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ يقول: إن تظفر بهم في الحرب، يعني: في