الفقيه أبو جعفر، قال: حدثنا أحمد بن محمد القاضي، قال: حدثنا إبراهيم بن حشيش البصري، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن أبي ذر الغفاري قال: قلت يا نبي الله كم كانت الأنبياء؟ وكم كان المرسلون فقال صلى الله عليه وسلم:«كَانَتِ الأنْبِياءُ مِائَةَ ألْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ، وَكَانَ المُرْسَلُونَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ» . ثم قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً قال بعضهم: معناه إنه قد أوحى إليه، وإنما سماه كلاماً على وجه المجاز كما قال في آية أخرى أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ [الروم: ٣٥] أي يستدلون بذلك، والعرب تقول: قال الحائط كذا. وقال عامة المفسرين وأهل العلم: إن هذا كلام حقيقة لا كلام مجاز، لأنه قد أكده بالمصدر حيث قال: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً والمجاز لا يؤكد لأنه لا يقال: قال الحائط قولاً، فلما أكده بالمصدر نفى عنه المجاز، وقال في موضع آخر: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: ٤٠] وقد أكده بالتكرار ونفى عنه المجاز. وقال في موضع آخر وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً [الشورى: ٥١] يعني الأنبياء الذين لم يكونوا مرسلين، فأراهم في المنام أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ بكلام مثل ما كلم الله موسى، أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً وهو رسالة جبريل إلى المسلمين. ثم قال تعالى:
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ أي أرسلنا رسلاً مبشرين بالجنة ومنذرين بالنار لِئَلَّا يَكُونَ يقول: لكيلا يكون لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ يعني: بعد إرسال الرسل، كي لا يقولوا يوم القيامة إنك لم ترسل إلينا رسولاً. ولو إن الله تعالى لم يرسل رسولاً كان ذلك عدلاً منه إذ أعطى كل واحد من خلقه من العقل ما يعرفه، ولكن أرسل تفضلاً منه، ولكي يكون زيادة في الحجة عليهم. ثم قال تعالى: وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. عَزِيزاً بالنقمة لمن يجحده حَكِيماً حكم إرسال الرسل والأنبياء عليهم السلام. قوله تعالى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ قال ابن عباس: وذلك أن رؤساء مكة أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا سألنا