لا يجوز من الحكيم أن يسلط شيطاناً من الشياطين على أحكام المسلمين، ويجلسه على كرسي نبي من الأنبياء- عليهم السلام- ولكن تأويل الآية والله أعلم: أن سليمان كان له ابن، فجاء ملك الموت يوماً زائراً لسليمان، فرآه ابنه فخافه، وتغيّر لونه، ومرض من هيبته، فأمر سليمان- عليه السلام- الريح بأن تحمل ابنه فوق السحاب ليزول ذلك عنه، فلما رفعته الريح فوق السحاب، ودنا أجله، فقبض ابنه، وألقي على كرسيه فذلك قوله: وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً يعني: ابنه الميت. قال: والدليل على ذلك أن الجسد في اللغة هو الميت الذي لا يأكل الطعام، والشراب، كالميت ونحوه. وذكر أن سليمان جزع على ابنه، إذ لم يكن له إلا ابن واحد، فدخل عليه ملكان، فقال أحدهما: إن هذا مشى في زرعي فأفسده. فقال له سليمان: لم مشيت في زرعه؟ فقال: لأن هذا الرجل زرع في طريق الناس، ولم أجد مسلكاً غير ذلك. فقال سليمان للآخر: لم زرعت في طريق الناس، أما علمت أن الناس لا بد لهم من طريق يمشون فيه؟ فقال لسليمان: صدقت. لم ولدت على طريق الموت أما علمت أن ممر الخلق على الموت؟ ثم غابا عنه. فاستغفر سليمان فذلك قوله: ثُمَّ أَنابَ يعني: تاب ورجع إلى طاعة الله عز وجل.
قوله عز وجل: قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً أي: أعطني ملكاً لاَّ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي قال سعيد بن جبير: أعطني ملكاً لا تسلبه كما سلبت في المرة الأولى. ويقال:
إنما تمنى ملكاً لا يكون لأحد من بعده، حتى يكون ذلك معجزة له، وعلامة لنبوته. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ يعني: المعطي الملك.
قوله عز وجل: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ وكان من قبل ذلك لم تسخر له الريح، والشياطين. فلما دعا بذلك، سخرت له الريح والشياطين. فقال: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ يعني: بأمر سليمان. ويقال: بأمر الله تعالى رُخاءً يعني: لينة مطيعة حَيْثُ أَصابَ يعني: حيث أراد من الأرض، والنواحي أَصابَ يعني: أراد. وقال الأصمعي:
العرب تقول: أصاب الصواب، فأخطأ الجواب. يعني: أراد الصواب، فأخطأ الجواب.
وَالشَّياطِينَ يعني: سخرنا له كل شيء، وسخرنا له الشياطين أيضاً كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ