وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ قال: سبقت من الله الرحمة لهذه الأمة قبل أن يعملوا بالمعصية» وقال الحسن: سبقت المغفرة لأهل بدر. وعن الحسن أنه قال: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ قال: في الكتاب السابق من الله تعالى أن لا يعذب قوماً إلا بعد قيام الحجة عليهم. وقال سعيد بن جبير: لَوْلاَ ما سبق لأهل بدر من السعادة، لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ من الفداء عَذابٌ عَظِيمٌ. ويقال: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أن لا يعذب قوماً، حتى يبين لهم ما يتقون.
ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ يعني: اتقوا الله فيما أمركم به ولا تعصوه. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ، متجاوز يعني: ذو تجاوز فيما أخذتم من الغنيمة قبل حلها رَحِيمٌ إذ أحلها لكم.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى، قرأ أبو عمرو من الأسارى بالضم وزيادة الألف، وقرأ الباقون الْأَسْرى بالنصب وبغير الألف. فمن قرأ بالأسرى فهو جماعة الأسير، يقال: أسير وأسرى، مثل جريح وجرحى، ومريض ومرضى، وقتيل وقتلى. من قرأ بالأسارى فهو جمع الجمع ويقال: هما لغتان بمعنى واحد.
وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما وضع الفداء على كل إنسان من الأسارى أربعين أوقية من ذهب، فكان مع العباس عشرون أوقية من ذهب، فأخذ منه ولم يحسبها من فدائه، وكان قد خرج بها معه ليطعم بها أهل بدر من المشركين لأنه كان أحد الثلاثة عشر الذين ضمنوا إطعام أهل بدر، وقد جاءت توبته فأراد أن يطعمهم، فاقتتلوا يومئذ فلم يطعمهم، حتى أخذ وأخذ ما معه فكلَّم العباس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل العشرين أوقية من فدائه، فأبى عليه وقال:«هذا شَيْءٌ خَرَجْتَ لِتَسْتَعِينَ بِهِ عَلَيْنَا فَلا أتركه لَكَ» ، فوضع عليه فداءه وفداء ابن أخيه عقيل، فقال العباس:«أتترك عمك يسأل الناس بكفه؟» فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أيْنَ الذَّهَبُ الَّذِي أعْطَيْتَ لأمِّ الفَضْلِ، وَقُلْتَ لَهَا كَيْتَ وَكَيْتَ» ؟ فقال له: من أعلمك بهذا يا ابن أخي؟ قال:«الله أخْبَرَنِي» . فأسلم العباس وأمر ابن أخيه أن يسلم «١» فنزل: قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى يعني العباس وابن أخيه.
إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً، يعني: معرفة وصدقاً وإيمانا، كقوله: لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً [هود: ٣١] يعني: إيماناً. يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ، يعني يعطيكم في الدنيا من الفداء، وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم. وَاللَّهُ غَفُورٌ لما كان في الشرك، رَحِيمٌ به في الإسلام.
روى سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: بعث العلاء بن الحضرمي إلى رسول
(١) عزاه السيوطي: ٤/ ١١١ إلى الحاكم وصححه والبيهقي في سننه.