أمنة من الله، وهو في الصلاة من الشيطان» . قرأ نافع يُغَشِّيكُمُ بضم الياء وجزم الغين ونصب النعاس، ومعناه: يُغْشِيكُمْ الله النُّعَاسَ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو يُغَشِّيكُمُ بالألف ونصب الياء وضم النعاسُ، يعني: أخذكم، النعاسُ وقرأ الباقون: بضم الياء وتشديد الشين ونصب النعاس ومعناه: يغشيكم الله النعاس أمنةً منه، والتشديد للمبالغة.
ثم قال: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مآء لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، يعني: بالماء من الأحداث والجنابة، وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ، يعني: وسوسة الشيطان وكيده. وقال القتبي: أصل الرجز العذاب، كقوله تعالى: رِجْزاً مِنَ السَّماءِ [البقرة: ٥٩] ثم سمي كيد الشيطان رجزاً، لأنه سبب للعذاب.
ثم قال: وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ، يعني: يشدد قلوبكم بالنصرة منه عند القتال، وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ، يعني: لتستقر الأرجل على الرمل، حتى أمكنهم الوقوف عليه. ويقال: وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ في الحرب.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٢ الى ١٤]
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣) ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤)
ثم قال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ، يعني: ألهم ربك الملائكة، أَنِّي مَعَكُمْ، أي: معينكم وناصركم، فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا، يعني: بشّروا المؤمنين بالنصرة، فكان الملك يمشي أمام الصف فيقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوكم قليل، والله تعالى ناصركم.
سَأُلْقِي، يعني: سأقذف فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ، يعني: الخوف من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين.
ثم علَّم المؤمنين كيف يضربون ويقتلون، فقال تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ، يعني:
على الأعناق وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ، يعني: أطراف الأصابع وغيرها، ويقال: كل مفصل.
قال الفقيه: سمعت من حكى عن أبي سعيد الفاريابي أنه قال: أراد الله إلاَّ يلطخ سيوفهم بفرث المشركين، فأمرهم أن يضربوا على الأعناق ولا يضربوا على الوسط ويقال: معناه اضربوا كل شيء استقبلكم من أعضائهم ولا ترحموهم. لِكَ بِأَنَّهُمْ
، يعني: ذلك الضرب والقتل بسبب أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
، يعني: عادوا الله ورسوله، وخالفوا الله ورسوله. مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
، يعني: من يخالف الله ورسوله إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
إذا عاقب.
ثم قال تعالى: ذلِكُمْ، القتل يوم بدر، فَذُوقُوهُ في الدنيا، وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ