يعني إن خرجوا إلى قتالكم، وأرادوا قتالكم يولون الأدبار، أي ينهزمون منكم. ويقال: يُوَلُّوكم الأَدْبَار، يعني منهزمين، ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ يقول: لا يُمْنَعون منكم، وهو قول الكلبي.
ثم قال ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ يقول جُعِلَتْ عليهم الجزية ويقال أَلْزِم عليهم القتال أَيْنَما ثُقِفُوا أي وُجدوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ أي بعهد من الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ يعني تحت قوم يؤدون إليهم الجزية، فإن لم يكن لهم عهد قتلوا وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ يقول:
استوجبوا الغضب من الله تعالى. ويقال: رجعوا بغضب من الله وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ يعني جعل عليهم زي الفقر.
قال الكلبي: فترى الرجل منهم غنياً، وعليه من البؤس والفقر والمسكنة. ويقال: إنهم يظهرون من أنفسهم الفقر، لكيلا تضاعف عليهم الجزية ذلِكَ الذي يصيبهم بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ومحمد صلّى الله عليه وسلم وبالقرآن وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ يعني رضوا بما فعل آباؤهم، فكأنهم قتلوهم ذلِكَ الغضب بِما عَصَوْا الله وَكانُوا يَعْتَدُونَ بأفعالهم كلما ذكر الله عقوبة قوم في كتابه بيّن المعنى الذي يعاقبهم لذلك، لكيلا يظن أحد أنه عذَّبهم بغير جُرْم. ثم بيَّن فضيلة من آمن من أهل الكتاب على من لم يؤمن فقال تعالى: لَيْسُوا سَواءً قال بعضهم: هذا معطوف على الأول منهم المؤمنون، وأكثرهم الفاسقون، ليسوا سواء في الثواب، فيكون هاهنا وقف. وقال بعضهم: هذا ابتداء، ويكون فيه مضمر، فكأنه يقول: ليس من آمن منهم ويتلون آيات الله كمن هو كافر. كقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزمر: ٩] معناه: ليس كالذي هو من أهل النار، فكذلك هاهنا قال: ليس من آمن مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ كمن لم يؤمن، فبين الذين آمنوا فقال: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يعني مُهَذَّبة عاملة بكتاب الله تعالى. ويقال: مستقيمة.