[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٢ الى ١٤]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤)
فقال تعالى اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وقد ذكرناه. ثم قال: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يعني: ذلل لكم ما في السموات وما في الأرض، لصلاحكم. ثم قال تعالى: جَمِيعاً مِنْهُ يعني: جميع ما سخر الله تعالى، هو من قدرته ورحمته. ويقال: جَمِيعاً مِنْهُ يعني: مِنَّةً منه. قال مقاتل:
يعني: جميعاً من أمره. وروى عكرمة، عن ابن عباس قال: جميعاً منه، منه النور، ومنه الشمس ومنه القمر.
إِنَّ فِي ذلِكَ يعني: فيما ذكر لَآياتٍ يعني: دلالات وعبرات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ يعتبرون في صنعه وتوحيده. وروى الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم «أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ فِي الخَالِق، فَقَالَ: تَفَكَّرُوا فِي الخَلْقِ، وَلا تَتَفَكَّرُوا فِي الْخَالِقِ» . وروى وكيع، عن هشام، عن عروة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أحَدَكُم، فَيَقُول: مَنْ خَلَقَ السماء؟ فيقول: الله، فيقول: من خلق الأرض؟ فيقول: الله. فيقول: من خلق الله تعالى؟
فإذا افْتُتِنَ أَحَدُكُمُ بِذَلِكَ، فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِالله وَرَسُولُهُ» .
قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا قال مقاتل والكلبي: وذلك، أن رجلاً من الكفار من قريش، شتم عمر رضي الله عنه بمكة، فهم عمر بأن يبطش به، فأمره الله بأن يتجاوز عنه.
فقال: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا، يعني: عمر يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ يعني: يتجاوزوا، ولا يعاقبوا الذين لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ يعني: لا يخافون عقوبته التي أهلك بها عاداً وثموداً، والقرون التي أهلكت قبلهم. يعني: لا يخشون مثل أيام الأمم الخالية. قال قتادة: ثم نسختها آية القتال وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة: ٣٦] ثم قال: لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني:
يجزيهم بأعمالهم في الآخرة. قال مجاهد: لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ، يعني: لا ينالون نعم الله.
قرأ حمزة والكسائي، وابن عامر لِنَجْزِيَ بالنون على الإضافة إلى نفسه. والباقون لِنَجْزِيَ بالياء، أي: ليجزي الله.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٥ الى ٢٠]
مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)
هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)