ثم قال تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، أي: القرآن. فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ، أي: من شاء فليقل: لا إله إِلا الله، ويقال: معناه من شاء الله له الإيمان آمن، ومن شاء الله له الكفر كفر. ويقال: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ من لفظه لفظ المشيئة، والمراد به الأمر، يعني: آمنوا. وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ لفظه لفظ المشيئة والمراد به الخبر، ومعناه: ومن كفر. إِنَّا أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ نَارًا، يعني: للكافرين أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها، يعني: أن دخانها محيط بالكافرين، قال الكلبي ومقاتل: يخرج عنق من النار، فيحيط بهم كالحظيرة.
ثم قال: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا من العطش، يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ، أي أسودَ غليظاً كرديء الزيت، وهذا قول الكلبي والسدي وابن جبير. وروى عكرمة، عن ابن عباس مثله، ويقال: هو الصفر المذاب، أو النحاس المذاب إذ بلغ غايته في الحر. وروى الضحاك، عن ابن مسعود:
«أنه أذاب فضة من بيت المال، ثم بعث إلى أهل المسجد وقال: من أحب أن ينظر إلى المهل، فلينظر إلى هذا» وقال مجاهد: المهل القيح والدم الأسود كعكر الزيت. يَشْوِي الْوُجُوهَ، يعني: إذا هوى به إلى فيه أنضج وجهه. بِئْسَ الشَّرابُ المهل. وَساءَتْ مُرْتَفَقاً، يقول:
بئس المنزل النار، رفقاؤهم فيها الشياطين والكفار. وَساءَتْ مُرْتَفَقاً، أي مجلساً. وأصل الارتفاق: الاتكاء على المرفق.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، أي لا نبطل ثواب من أحسن عملاً في الآخرة.
ثم بين ثوابهم فقال: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، العدن: الإقامة، ويقال: العدن بطنان الجنة، وهي وسطها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، السندس: ما لطف من الديباج، والاستبرق: ما ثخن من الديباج وقال القتبي: يقول قوم: هو فارسي معرب، أصله استبرك، وقال الزجاج في قوله:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ: يجوز أن يكون خبره: إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا، كأنه يقول: إنا لا نضيع أجرهم، ويحتمل أن يكون الجواب قوله: أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ويجوز أن يكون جوابه لم يذكر.