للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن مجاشع بن مسعود البهزي أنه جاء بابن أخيه ليبايعه على الهجرة، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا بَلْ بَايِعْ عَلَىَ الإِسْلامِ، فَإِنَّهُ لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفْتَحِ وَيَكُونُ مِنَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ» . قرأ العامة وَالْأَنْصارِ بالكسر، وقرأ الحضرمي وَالْأَنْصارِ بالضم. فمن قرأ بالضم فهو عطف على التابعين ومعناه: والسابقون والأنصار، ومن قرأ بالكسر فهو عطف على المهاجرين ومعناه:

ومن المهاجرين ومن الأنصار.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقرأ: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ بغير واو، وقراءة العامة بالواو، فمن قرأ بغير واو يكون نعتاً للأنصار، ومن قرأ بالواو يكون نعتاً لجميع المؤمنين إلى يوم القيامة.

وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقرأ هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ فقال له عمر: «من أقرأك هذه الآية؟» فقال: أقرأنيها أُبيّ بن كعب.

فقال: «لا تفارقني حتى أذهب بك إليه» . قال: فلما جاءه قال: «يا أُبَيّ، أنت أقرأته هذه الآية هكذا؟» قال: «نعم» . قال: «أنت سمعتها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟» قال: «نعم» . قال: «كنت أظن أنا قد ارتفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا» . قال أُبيّ: «تصديق هذه الآية أول سورة الجمعة، وأوسط سورة الحشر، وآخر سورة الأنفال» . أما أول سورة الجمعة وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الجمعة: ٣] وأوسط سورة الحشر وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ [الحشر: ١٠] وآخر سورة الأنفال وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا [الأنفال: ٧٥] .

وقال الشعبي: السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ من أدرك بيعة الرضوان وبايع تحت الشجرة.

اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ، يعني: اتبعوهم على دينهم بإحسانهم، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بأعمالهم، وَرَضُوا عَنْهُ، يعني: عن الله تعالى بثوابه إياهم في الجنة. وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ. قرأ ابن كثير جنات تجرى من تحتها الانهار بزيادة من، وقرأ الباقون جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ بغير مِنَ صار تَحْتَهَا نصباً لنزع الخافض. خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، يعني: الثواب الوافر.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)

قوله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ، يعني: الأعراب الذين حوالي المدينة.

وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وهو عبد الله بن أُبي وأصحابه مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ، يعني: مرنوا وثبتوا على النفاق، فلا يرجعون عنه ولا يتوبون. لاَ تَعْلَمُهُمْ، يقول: لا تعرفهم أنت بسبب إيمانهم بالعلانية. نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ، لأني عالم السر والعلانية، ونعلم نفاقهم، ونعرفك حالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>