وروى الزجاج عن الأخفش قال: ذو أمة قائمة، يعني ذو طريقة قائمة يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن في الصلاة آناءَ اللَّيْلِ يعني في ساعات الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ أي يصلون لله.
قوله: يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يعني يقرون بالله وبمحمد صلّى الله عليه وسلم وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ أي باتباعه وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ أي عن الشرك وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ أي يبادرون إلى الطاعات، والأعمال الصالحة وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ أي مع الصالحين، وهم أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلم في الجنة. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ يعني لن تجحدوه ولن تنسوه يقول تجزون به، وتثابون عليه في الآخرة، وهذا كما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «البرُّ لا يَبْلَى وَالإثْمُ لا يُنْسَى» .
ثم قال تعالى: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ أي عليم بثوابهم، وهم مؤمنو أهل الكتاب، ومن كان بمثل حالهم. قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ كلاهما بالياء، والباقون كلاهما بالتاء على معنى المخاطبة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١١٦ الى ١١٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧)
ثم قال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ قال مقاتل: ذكر قبل هذا مؤمني أهل الكتاب، ثم ذكر كفار أهل الكتاب، وهو قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ...
وأما الكلبي فقال: هذا ابتداء إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ كثرة أَمْوالُهُمْ وَلا كثرة أَوْلادُهُمْ مِنَ عذاب اللَّهِ شَيْئاً وقال الضحاك: يعني اليهود والنصارى، وجميع الكفار، وكل من خالف دين الإسلام، وذلك أنهم تفاخروا بالأموال والأولاد وَقَالُواْ: نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا، وَمَا نَحْنُ بمعذَّبين، فأخبر الله تعالى أن أموالهم وأولادهم لا تغني عنهم من عذاب الله شيئا وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
َلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا
قال الكلبي: يعني ما ينفقون في غير طاعة الله مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
أي برد شديدصابَتْ
الريح الباردةرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
بمنع حق الله تعالى منه أَهْلَكَتْهُ
يقول: أحرقته، فلم ينتفعوا منه بشيء، فكذلك نفقة من أنفق في غير طاعة الله، لا تنفعه في الآخرة، كما لا ينفع هذا الزرع في الدنيا. وقال مقاتل:
يعني نفقة السفلة على رؤساء اليهود. وقال الضحاك: مثل نفقة الكفار من أموالهم في أعيادهم