للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عَلى تَقْوى، يعني: على توحيد الله تعالى، وَرِضْوانٍ من الله. قرأ نافع وابن عامر أَفَمَنْ أَسَّسَ بضم الألف وكسر السين بُنْيانَهُ بضم النون على معنى فعل ما لم يسم فاعله، وقرأ الباقون أَسَّسَ بنصب الألف وبُنْيانَهُ بنصب النون ومعنى الآية: إن البناء الذي يراد به الخير ورضاء الرب تبارك وتعالى خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ، يعني: مسجد الضرار الذي أَسَّسَ بُنْيانَهُ يعني: أصَّل بنيانه عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ، يعني: على طرف هوة ليس له أصل. قرأ حمزة وابن عامر وأبي بكر، عن عاصم عَلى شَفا جُرُفٍ بجزم الراء، والباقون بالضم ومعناهما واحد. وقال القتبي: يعني: على حرف جرف هائر. والجرف: ما ينجرف بالسيول من الأودية. والهائر: الساقط. يقال: تهور البناء وانهار وهار، إذا سقط. وهذا على سبيل المثل، يعني: إن الذي بنى المسجد، إنّما بنى على جرف جهنم، فانهار بأهله في نار جهنم. وقال الكلبي: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجلين بعد رجوعه من غزوة تبوك، فأحرقاه وهدماه.

ثم قال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، يعني: لا يرشدهم إلى دينه، وهم: الذين كفروا في السر.

قوله تعالى: لاَ يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، يعني: حسرة وندامة بما أنفقوا فيه، وبما ظهر من أمرهم ونفاقهم. إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، يعني: لا يزال حسرة في قلوبهم إلى أن يموتوا، لأنهم إذا ماتوا انقطعت قلوبهم. ويقال: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ يعني: في القبر. قرأ حمزة وابن عامر وعاصم في رواية حفص إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ بالنصب فيكون الفعل للقلوب، يعني: إلاَّ أنْ تَتَقَطعَ قلوبهم وتتفرق، والباقون بالرفع على فعل ما لم يسم فاعله وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ بهدم مسجدهم.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١١ الى ١١٢]

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)

قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، معناه: إنه طلب من المؤمنين أن يفدوا أنفسهم وأموالهم، ويخرجوا إلى الجهاد في سبيل الله، ليثيبهم الجنة. وذكر الشراء على وجه المثل، لأن الأموال والأنفس كلها لله تعالى، وهي عند أهلها عارية، ولكنه أراد به التحريض والترغيب في الجهاد. وهذا كقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢٤٥] ثم قال: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يعني: في طاعة الله تعالى مع العدو.

<<  <  ج: ص:  >  >>