للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد الأمر، يأمر بأمر ثم يأمر بغيره ويقرّ ما يشاء فلا ينسخه. يُحْيِي وَيُمِيتُ، يعني: يحيي الموتى ويميت الأحياء. وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ، يعني: من عذاب الله تعالى مِنْ وَلِيٍّ، يعني: من قريب ينفعكم وَلا نَصِيرٍ، يعني: مانعاً يمنعكم. وقال الكلبي: يُحْيِي يعني:

في السفر وَيُمِيتُ في الحضر، يعني: إن هذا ترغيب في الجهاد لكي لا يمتنعوا مخافة الموت القتل والموت.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١١٧]]

لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)

قوله تعالى: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ، يعني: تجاوز الله عن النبي إذنه للمنافقين بالتخلف، كقوله: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ [التوبة: ٤٣] ويقال: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ يعني: غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كما ذكر في أول سورة الفتح. ثم قال:

وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ، يعني: تجاوز عنهم ذنوبهم، لما أصابهم من الشدة في ذلك الطريق.

ثم نعتهم فقال: الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ، يعني: وقت الشدة في غزوة تبوك كانت لهم العسرة في أربعة أشياء: عسرة النفقة، والركوب، والحر، والخوف مِنْ بَعْدِ مَا كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، يعني: تميل قلوب طائفة منهم عن الخروج إلى الغزو، ويقال: من بعد ما كادوا أن يرجعوا من غزوتهم من الشدة. ويقال: هم قوم تخلفوا عنه، ثم خرجوا فأدركوه في الطريق. ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ، يعني: تجاوز عنهم. إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، حين تاب عليهم. قرأ حمزة وعاصم في رواية حفص يَزِيغُ قُلُوبُ بالياء بلفظ التذكير، والباقون بالتاء بلفظ التأنيث. ولفظ التأنيث إذا لم يكن حقيقيا، جاز والتأنيث والتذكير، لأن الفعل مقدم فيجوز التذكير والتأنيث.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١١٨]]

وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)

قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، يعني: وتاب الله على الثلاثة وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. قال الفقيه: سمعت أبي رحمه الله يذكر بإسناده، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: لم أتخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة له غزاها، حتى كانت غزوة تبوك إلا بدراً، فلم يعاتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أحداً تخلف عن بدر، إنَّما خرج يريد العير، فخرجت قريش معينين لعيرهم، فالتقوا على غير موعدهم. ثم لم أتخلف عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن غزوة غزاها حتى كانت غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها فأذن للناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوتهم، وذلك حين طابت الظلال وطابت الثمار، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>