قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، يعني: يحملكم في البر على الدواب، وفي البحر على السفن، ويقال: هو الذي يحفظكم إذا سافرتم في بر أو بحر. قرأ ابن عامر يَنْشُرُكُمْ بالنون والشين من النشر، يعني: يبثكم «١» ، والقراءة المعروفة يُسَيِّرُكُمْ من التسيير يعني: يسهل لكم السير، حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ، يعني: في السفن، وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ يقال للسفينة الواحدة: جَرَتْ، وللجماعة: جَرَيْنَ. واسم الفلك يقع على الواحد وعلى الجماعة، ويكون مذكراً إذا أريد به الواحد ومؤنثاً إذا أريد به الجماعة، كقوله: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [يس: ٤١] وقال: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة: ١٦٤] ذكرا بلفظ التأنيث مرة وبلفظ التذكير مرة. وفيه الدليل أن الكلام يكون بعضه على وجه المخاطبة وبعضه على وجه المغايبة، كما قال هاهنا حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ ذكر بلفظ المخاطبة ثم قال: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بلفظ المغايبة بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ، يعني: لينة ساكنة، وَفَرِحُوا بِها بالريح الطيبة، جاءَتْها يعني: السفينة، رِيحٌ عاصِفٌ يعني: شديدة، وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يعني: من كل ناحية وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ، يعني: علموا وأيقنوا أنه قد دنا هلاكهم. وقال القتبي:
وأصل هذا أن العدو إذا أحاط بالقرية، يقال: دنا أهلها من الهلكة، قال الله تعالى: وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ [الكهف: ٤٢] فصار ذلك كناية عن الهلاك دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، يعني: إذا دنا هلاكهم أخلصوا لله تعالى، يعني: بالدعاء وقالوا: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ، يعني: من هذه الريح العاصف، ويقال: من هذه الأهوال، لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ يعني: من الموحدين المطيعين. فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ، يعني: يعصون فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، يعني:
الدعاء إلى غير عبادة الله تعالى، والعمل بالمعاصي والفساد.