ثم رجع إلى أهل الهجرة ورغبهم فيها فقال: اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ يعني: يوسع على من يشاء مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ يعني: ويقتر لمن يشاء إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ من البسط والتقتير.
قوله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ مَّآءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها يعني:
من بعد يبسها وقحطها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ على إقرارهم بذلك بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ توحيد ربهم، وهم مقرون بالله عز وجل خالق هذه الأشياء.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦٤ الى ٦٩]
وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤) فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (٦٥) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٦٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (٦٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٦٨)
وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩)
قوله عز وجل: وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ يعني: باطل وَلَعِبٌ كلعب الصبيان، ولهو كلهو الشبان. ويقال: فرح لا يبقى للخلق ولا يبقى فيها إلا العمل الصالح. روى أبو هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن الدنيا ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاها أو عالماً أو متعلماً» وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه مرّ بسخلة ميتة فقال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ للدُّنْيَا على الله أهْوَنُ مِنْ هذه السَّخْلَةِ عَلَى أَهْلِهَا» وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ يعني: هي دار الحياة لا موت فيها لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يعني: لو كانوا يصدقون بثواب الله عز وجل.
ثم قال: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ يعني: في السفن دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ يعني:
موحدين وتركوا دعاء أصنامهم، ويعلمون أنه لا يجيبهم أحد إلا الله تعالى. فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ يعني: إلى القرار إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ به.
قوله عز وجل: لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ يعني: ما أعطيناهم من النّعم وَلِيَتَمَتَّعُوا قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر ونافع في رواية ورش: وَلِيَتَمَتَّعُوا بكسر اللام، وقرأ الباقون بالجزم. فمن قرأ بالكسر، فمعناه: لكي يتمتعوا، لأن الكلام عطف على ما قبله يعني: يشركون لكي يكفروا، ولكي يتمتعوا في الدنيا. ومن قرأ بالجزم فهو على معنى التهديد والتوبيخ بلفظ الأمر، وتشهد له قراءة أبيَّ كان يقرأ تمتعوا فسوف تعلمون ومعناه وليتمتعوا، يعني:
وليعيشوا فسوف يعلمون إذا نزل بهم العذاب.
ثم قال عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا يعني: أو لم يعلموا ليعتبروا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً