ثم نظر عزير- عليه السلام- إلى حماره وقد بلي فنودي: انظر إلى حمارك، فإذا هو عظم أبيض يلوح، وقد تفرقت أوصاله. ثم سمع صوتاً قال: أيتها العظام البالية، إني جاعل فيكن روحاً فاجتمعن، فسعى بعضها إلى بعض حتى استقر كل شيء في موضعه، ثم بسط عليه الجلد ونفخ فيه الروح، فإذا هو قائم ينهق. فخرَّ عزير ساجداً لله تعالى وقال عند ذلك: أعلم إن الله على كل شىء قدير فذلك قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ، أي عبرة للناس، لأن أولاده قد صاروا شيوخاً وقد كان شاباً. وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالزاي، وقرأ الباقون بالراء. فمن قرأ بالراء، فمعناه كيف نحييها. ونظيرها أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ [الأنبياء: ٢١] ، أي يبعثون الموتى. ومن قرأ بالزاي: أي كيف يضم بعضها إلى بعض. النشز: ما ارتفع من الأرض.
وهذا كما جاء في الأثر: الرضاع ما أنبت اللحم، وأنشز العظم. وقال أهل اللغة: أصل النشز الحركة يقال: نشز الشيء إذا تحرك، ونشزت المرأة عن زوجها والمراد هاهنا تضمنها.
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ، قرأ حمزة والكسائي: أَعْلَمُ بالجزم على مضي الأمر، وقرأ الباقون: قالَ أَعْلَمُ على معنى الخبر عن نفسه ومعناه علمت بالمعاينة ما كنت أعلمه قبل ذلك غيباً. أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الإحياء وغيره. وقال بعضهم: أن عزيراً لما أحياه الله تعالى قال في نفسه: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم. فلما رجع إلى منزله ولقيه أقرباؤه وحسبوا غيبته، فقالوا له: بل لبثت مائة عام وهذا قول من قال: إن هذا لم يكن عزيراً النبي- عليه السلام- بل رجل آخر سوى عزير النبي- عليه السلام-.
قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى، وذلك أن النمرود لما قال له: أنا أحيي وأميت. ووصف لهم ذلك، فسألوا إبراهيم فقالوا له: كيف يحيي ربك الموتى؟ فأراد إبراهيم أن يرى ذلك بالمعاينة، حتى يخبرهم بما يرى من المعاينة، فسأل ربه فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى.
وقال مقاتل: مرَّ إِبراهيم فرأى جيفة على ساحل البحر، يأكل منها دواب البحر والطيور، وبعضها يصير مستهلك في الأرض، فوقع في قلبه أن الذي تفرق في البحر وفي بطون الطير، كيف يجمعها الله تعالى، فأراد أن يعاين ذلك فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى.