للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ أي لولا منُّ الله عليكم ورحمته ونعمته لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ فيه تقديم وتأخير. وقال مقاتل: أذاعوا به أي أفشوه إِلَّا قَلِيلًا منهم لا يفشون الخبر. وقال الزجاج: أَذاعُوا بِهِ أي أظهروه. ومعنى يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي يستخرجونه، وأصله من النبط وهو أول الماء الذي يخرج من البئر إذا حفرت، ولو ردوا ذلك إلى أن يأخذوا من قبل الرسول ومن قبل أولي الأمر منهم، لعلمه هؤلاء الذين أذاعوا به من ضعف المسلمين وعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم وذوي العلم، وكانوا يعلمون مع ذلك. وقال عكرمة لعلمه الذين يخوضون فيه ويسألون عنه. وقال أبو العالية: يعني الذين يستحسنونه منهم. وقال الضحاك: ولو ردوا أمرهم في الحلال والحرام إلى الرسول في التصديق به والقبول منه، وإلى أولى الامر منهم، يعني حملة الفقه والحكمة، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، يعني يتفحصون عن العلم. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ بالقرآن لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا وهم الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى. وفي هذه الآية دليل على جواز الاستنباط من الخبر والكتاب، لأن الله تعالى قد أجاز الاستنباط من قبل الرسول وأهل العلم.

ثم قال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله لاَ تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ قال مقاتل:

يعني ليس عليك ذنب غيرك. وقال الزجاج: أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد وإن قاتل وحده، لأنه قد ضمن له النصر. وقال أبو بكر في أهل الردة: لو خالفتني يميني لجاهدت بشمالي. ويقال: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بأن يخرج إلى بدر الصغرى، فكره المسلمون الخروج فأمره الله تعالى بأن يخرج وإن كان وحده. فقال: وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أي على القتال، يعني على الجهاد بقتال أعداء الله عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي يمنع قتال الذين كفروا. والبأس هو القتال، كما قال في آية أخرى وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: ١٧٧] ثم قال تعالى: وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أي عذاباً. ويقال: وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أي أشد عقوبة في الآخرة عن عقوبة الكفار في الدنيا.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٥ الى ٨٧]

مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥) وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)

قوله تعالى: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها قال الضحاك: يعني مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً في الإسلام، فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>