لِلَّهِ مَّا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الخلق كلهم عبيده وإماؤه، وهو خالقهم ورازقهم، وحكمه نافذ فيهم، معناه لا تعبدوا أحداً سواه، لأنه هو الذي خلق المسيح والملائكة والأصنام، ويقال: لله ما فى السموات وما في الارض، يعني في كل شيء دلالة ربوبيته ووحدانيته، ثم قال: وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يعني إن تظهروا ما في قلوبكم أو تضمروه يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ أي يجازيكم به الله. وقال بعضهم: يعني في كتمان الشهادة أن تعلنوا الشهادة أو تخفوها يحاسبكم به الله، أي يجازيكم به الله.
وقال الكلبي: وإن تعلنوا ما في أنفسكم من المعصية أو تسروها، ولا تظهروها يجازيكم. قال: لما نزلت هذه الآية شقّ على المسلمين، وقالوا: يا رسول الله إنا لنحدث أنفسنا بالأمر المعصية، ثم لا نعملها، أو نعملها فهو سواء، فشق ذلك على المؤمنين مشقة شديدة، فلما علم الله مشقة ذلك على المؤمنين، أنزل على نبيه ما هو أهون عليه منه فقال:
قال الفقيه حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا الدبيلي، قال حدّثنا أبو عبيد الله عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي» .
قال سفيان: بلغني أن الأنبياء كانوا يأتون قومهم بهذه الآية وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فيقولون: لا نطيق هذا، ولا نحتمله، فأعقبهم الله المؤاخذة، فلما عرض على هذه الأمة قبلوا، فأعقبهم الله تعالى أن وضعها عنهم، فأنزل الله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: ٢٨٦] الآية.
ثم قال عز وجل: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ أي لمن تاب عن الذنوب وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ أي من أقام على ذلك، وأصر عليه. ويقال: فيغفر لمن يشاء الذنب العظيم، لمن انتزع عنه، ويعذب من يشاء بالذنب الصغير إذا أصر عليه. ويقال: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. قرأ عاصم وابن عامر، فيغفر بضم الراء على معنى الابتداء وقرأ الباقون بالجزم على جواب الشرط، وكذلك في قوله: وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ثم قال: وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.