للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادته، فكأنه وهو الذي أبطل حق المدعي، وخانه حيث عصى الله تعالى حتى ردت شهادته بمعصيته. ثم قال تعالى وَلا تَسْئَمُوا يقول ولا تملوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً يعني قليل الحق أو كثيره إِلى أَجَلِهِ لأن الكتابة أحصى للأجل وأحفظ للمال ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ أي أعدل وَأَقْوَمُ وأصوب لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى يقول: أحرى وأجدر أَلَّا تَرْتابُوا يعني: لا تشكوا في شيء من حقوقكم.

ثم استثنى الله تعالى إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً قرأ عاصم تجارة حاضرة بالنصب وقرأ الباقون بالرفع، فمن قرأ بالنصب جعله خبر تكون، والاسم مضمر معناه إلا أن تكون المداينة تجارة حاضرة. ومن قرأ بالرفع جعله اسمه يعني إذا كان البيع بالنقد تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ يعني تداولونها أيديكم، ولم يكن المال مؤجلاً فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أي حرج أَلَّا تَكْتُبُوها يعني التجارة. ثم قال وَأَشْهِدُوا على حقكم إِذا تَبايَعْتُمْ على كل حال، نقداً كان أو مؤجلاً، وهذا أمر استحباب، ولو ترك الإشهاد جاز البيع. ثم قال تعالى وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ يقال لا يعمد أحدكم إلى الكاتب والشاهد، فيدعوهما إلى الكتابة والشهادة، ولهما حاجة مهمة، فيمنعهما عن حاجتهما، وليتركهما حتى يفرغا من حاجتهما، أو يطلب غيرهما وَإِنْ تَفْعَلُوا يقول: إن تضاروا الكاتب والشاهد فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ يقول معصية منكم وترك الأدب قوله:

وَاتَّقُوا اللَّهَ في الضرر ويقال: واتقوا الله ولا تعصوه فيما أمركم من أمر الكتابة والإشهاد وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ في أمر الكتابة، ويقال: ويؤدبكم الله وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ من أعمالكم عَلِيمٌ.

وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ أي كنتم مسافرين وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً يعني لم تجدوا من يكتب الكتاب وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ، ولم تجدوا كاتباً، يعني الكاتب والصحيفة فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ قرأ ابن كثير وأبو عمرو فرهن، والباقون فرهان، فمن قرأ فرهان، فهو جمع الرهن، ومن قرأ فرهن فهو جمع الرهان، وهو جمع الجمع. ويقال: كلاهما واحد، وهو جمع الرهن، يعني إذا كنتم في السفر، ولم تجدوا من يكتب، ولم تجدوا الصحيفة والدواة، فاقبضوا الرهن. وفي الآية دليل أن الرهن لا يصح إلا بالقبض لأنه جعل الرهن بالقبض.

ثم قال تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً يعني إذا كَانَ الذى عَلَيْهِ الحق أميناً عند الطلب، ولم يطلب منه الرهن، ورضي بدينه بغير رهن قوله: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ يعني أن المطلوب يقضي دينه حيث ائتمنه الطالب، ولم يرتهن منه وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يمنع حقه، ثم رجع إلى الشهود فقال: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ عند الحاكم يقول: من كانت عنده شهادة، فليؤدها على وجهها ولا يكتمها وَمَنْ يَكْتُمْها يعني الشهادة فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ يعني فاجر قلبه.

قوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ من كتمان الشهادة وإقامتها، فهذا وعيد للشاهد على كتمان شهادته لكيلا يكتمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>