النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقوله ثم خرج من عنده، فمر بزرع للمسلمين فأحرقه، ومر بحمار للمسلمين فعقره، فنزلت هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أي يعجبك كلامه وحديثه. وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ من الضمير أنه يحبه وهو يريد الإسلام وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، أي شديد الخصومة. قال القتبي: أي أشدهم خصومة. يقال: رجل ألد بين اللّد واللدد، وقوم لد. كما قال في آية أخرى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم: ٩٧] .
ثم قال: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ، يقول: إذا فارقك رجع عنك، سعى في الأرض، أي مضى في الأرض بالمعاصي. لِيُفْسِدَ فِيها، أي يعصي الله في الأرض وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، أي يحرق الكدس ويعقر الدواب. وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسادَ، أي لا يرضى بعمل المعاصي.
وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ في صنعك، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ، أي الحمية بِالْإِثْمِ، يعني الحمية في الإثم، يعني تكبراً. يقول الله تعالى: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ، أي ولبئس الفراش ولبئس القرار. فهذه الآية نزلت في شأن أخنس بن شريق، ولكنها صارت عامة لجميع الناس فمن عمل مثل عمله، استوجب تلك العقوبة. وقال بعض الحكماء، إن من يقتل حماراً ويحرق كدساً، استوجب الملامة ولحقه الشين إلى يوم القيامة فالذي يسعى بقتل مسلم كيف يكون حاله؟ وذكر أن يهودياً كانت له حاجة إلى هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه سنة، فلم تنقض حاجته فوقف يوماً على الباب، فلما خرج هارون الرشيد سعى ووقف بين يديه وقال: اتق الله يا أمير المؤمنين. فنزل هارون عن دابته وخرّ ساجداً لله تعالى، فلما رفع رأسه أمر به، فقضيت حاجته. فلما رجع قيل: يا أمير المؤمنين نزلت عن دابتك بقول يهودي؟ قال: لا ولكن تذكرت قول الله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ إلى آخره. وقال قتادة: ذكر لنا أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دُعِيْتُمْ إلى الله فَأَجِيبُوا، وإِذَا سُئِلْتُم بالله فَأَعْطُوا فإِنَّ المُؤْمِنِينَ كانوا كذلك» .
ثم قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في شأن صهيب بن سنان الرومي، مولى عبد الله بن جدعان، وفي نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ياسر أبو عمار بن ياسر، وسمية أم عمار، وخباب بن الأرت وغيرهم أخذهم المشركون فعذبوهم. فأما صهيب فإنه كان شيخاً كبيراً وله مال ومتاع، فقال لأهل مكة: إني شيخ كبير، وإني لا أضركم إن كنت معكم أو مع عدوكم، فأنا أعطيكم مالي ومتاعي وذروني وديني، أشتريه منكم بمالي. ففعلوا ذلك، فأعطاهم ماله إلا مقدار راحلته، وتوجه إلى