وصفته كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ بين الغلمان. قال عبد الله بن سلام: والله إني لأنا كنت أشد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم مني بابني، فقال له عمر- رضي الله عنه-: وكيف ذلك يا ابن سلام؟
فقال: لأني أشهد أنه رسول الله حقاً وصدقاً ويقيناً، وأنا لا أشهد بذلك على ابني لأني لا أدري ما أحدثت النساء بعدي فقال له: والله يا ابن سلام لقد صدقت أو أصبت.
ثم قال تعالى: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ، يعني طائفة من اليهود لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ في كتابهم، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنه نبي مرسل. قال مقاتل: أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لم تطوفون بالبيت المبني بالحجارة؟ فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الطَّوَافَ بِالبَيْتِ حَقٌّ وَإِنَّهُ هُوَ القِبْلَةُ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ» فجحدوا ذلك فنزل قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يعني التوراة يعرفون أن البيت قبلة كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ذلك في أمر القبلة. ثم قال تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
يا محمد، أن الكعبة قبلة إبراهيم. فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ، أي من الشاكين. إنهم يعرفون أنها قبلة إبراهيم، عليه الصلاة والسلام.
[[سورة البقرة (٢) : آية ١٤٨]]
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)
لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
، أي قبلة. والوجهة والجهة والوجه بمعنى واحد. أي لكل ذي ملة قبلةوَ مُوَلِّيها
، أي مستقبلها. وقيل: لكل دين وملة قبلة هو مولها. قرأ ابن عامر: «وَهُوَ مُوَلاَّهَا» والباقون بالكسر أي هو بنفسه موليها يعني الله مولاها وقال مقاتل: لكل أهل ملة قبلة هم مستقبلوها يريدون بها وجه الله تعالى. اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
، أي قال لهذا الأمة: استبقوا بالطاعات. وهذا كما قال في آية أخرى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً [المائدة: ٤٨] ، أي جعلنا لكل قوم شريعة وسبيلاً، فإذا أخذوا بالسنة والمنهاج رضي عنهم. فأمر الله تعالى أهل هذه الشرائع أن يستبقوا الخيرات في الأعمال الصالحة، فقال تعالى: أَيْنَما تَكُونُوا في الأرض أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
، يعني يقبض أرواحكم ويجمعكم يوم القيامة.
وقال مجاهد لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
أمر كل قوم بأن يحولوا وجوههم إلى الكعبة.
ويقال: ولكل أمة قبلكم قبلة أمرتهم بأن يستقبلوها فاستبقوا الخيرات، يقول: بادروا الأمم بالطاعات. ثم قال تعالى: يْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ
، يعني يقبض أرواحكم ويجمعكم يوم القيامة. نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
، أي هو قادر على جمعكم يوم القيامة.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٤٩ الى ١٥٠]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠)