نبي إذا قال له قومه قولاً، كان هو الذي يرد عليهم، وأما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا قالوا له شيئاً، فالله تعالى هو الذي يرد عليهم.
ثم أخبرهم بمستقرهم في الآخرة فقال عز وجل: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ يعني:
يسبحون على وجوههم إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً يعني: منزلاً في النار وضيقاً في الدنيا وَأَضَلُّ سَبِيلًا يعني: أخطأ طريقاً. وذلك أن كفار مكة قالوا: ما كان محمد وأصحابه أولى بهذا الأمر منا، والله إنهم لشر خلق الله، فأنزل الله عز وجل: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ.
وروي في الخبر:«أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف: فصنف على النجائب، وصنف على أرجلهم، وصنف على وجوههم، فقيل: يا رسول الله كيف يحشرون على وجوههم؟ فقال: «إن الذي أمشاهم على أقدامهم، فهو قادر على أن يمشيهم على وجوههم» فذلك قوله» : أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: أعطينا موسى التوراة وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً أي معيناً فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ يعني: به موسى، كقوله عز وجل في سورة طه: اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ [طه: ٤٢] خاطب موسى خاصة إلى القوم يعني: فرعون وقومه الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي بتوحيدنا وديننا. وقال الكلبي: يعني كذبوا بآياتنا التسع. وقال بعضهم: هذا التفسير خطأ، لأن الآيات التسع أعطاها الله تعالى موسى بعد ذهابه إليه، وقد قيل: معناه اذهبا إلى القوم، وهذا الخطاب لموسى عليه السلام. ثم قال الله تعالى للنبي صلّى الله عليه وسلّم: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: بالرسل، وبكتب الأنبياء عليهم السلام الذين قبل موسى، ثم قال: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً يعني: كذبوهما فأهلكناهم إهلاكاً. ويقال: في الآية تقديم قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني: التوراة بعد ما هلك فرعون وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هارون وزيرا، يعني: في أوّل نبوته. ويقال: الْكِتابَ يعني: كتاباً قبل التوراة.
قوله عز وجل: وَقَوْمَ نُوحٍ يعني: واذكر قوم نوح عليه السلام لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ يعني: نوحاً وحده كما قال: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ [المؤمنون: ٥١] ولم يكن وقت هذا الخطاب إلا واحد، فيجوز أن يذكر الجماعة ويراد به الواحد، كما يذكر الواحد ويراد به الجماعة كقوله: