يعلِّما الكفر. وقال بعضهم: ويبينان أن عمل السحر كفر، وينهيان عن التعلم ويبيِّنان كيفية السحر وهو بمنزلة رجل قال لآخر: علِّمني ما الزنى أو علمني ما السرقة فيقول: إن الزنى كذا وكذا، وهو حرام فلا تفعل وإن السرقة كذا وكذا هي حرام فلا تفعل. كذلك هاهنا الملكان يقولان: السحر كذا وكذا، وهو كفر فلا تكفر. وقرأ بعضهم وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بكسر اللام وهي قراءة شاذة، يعني كانا ملكين في بني إسرائيل فمسخهما الله تعالى. وقوله: إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ أي اختبار وابتلاء. وأصل الفتنة الاختبار.
قوله: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما أي من الملكين: مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، أي فيتعلمون منهما من السحر ما يفرقون به بين الرجل وزوجته، يؤخذ الرجل عن المرأة حتى لا يقدر على الجماع. ثم قال تعالى: وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أي بإرادة الله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ، أي ما يضر في الدنيا ولا ينفعهم في الآخرة، يعني السحر. وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ، يعني اليهود علموا في التوراة أن من اختار السحر ما لَهُ فِى الاخرة مِن خلاق يعني نصيب. والخلاق في اللغة: هو النصيب الوافر. وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، أي باعوا به، يعني بئسما باعوا به أنفسهم. ويقال: بئس ما اختاروا لأنفسهم السحر على كتاب الله تعالى وسنن أنبيائه لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ، ولكنهم لا يعلمون. فإن قيل: ذكر في الآية الأولى: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ وفي هذه الآية يقول: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فمرة يقول: يعلمون، ومرة يقول: لا يعلمون.
فالجواب أن يقال: إنهم يعلمون ولكن لا منفعة لهم في علمهم، وكل عالم لا يعمل بعلمه فليس بعالم، لأنه يتعلم العلم لكي ينتفع به، فإذا لم ينتفع به فكأنه لم يتعلم، فكذلك هاهنا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، لو كانوا يعرفون للعلم حقه.
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا، يعني اليهود لو صدقوا بثواب الله واتقوا السحر، لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ يعني كان ثواب الله تعالى خيراً لهم من السحر والمثوبة والثواب بمعنى واحد وهو الجزاء على العمل وكذلك الأجر لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فهذا نداء المدح، يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. صدقوا بتوحيد الله تعالى وبمحمد، لاَ تَقُولُوا راعِنا. وذلك أن المسلمين كانوا يأتون رسول الله- عليه السلام- ويقولون: يا رسول الله راعنا، وهو بلغة العرب: أرعني سمعك. وأصله في اللغة:
راعيت الرجل إذا تأملته وتعرفت أحواله. وكان هذا اللفظ بلغة اليهود سباً بالرعونة، فلما