ثم قال: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، أي واتبعوا الذي أنزل على الملكين بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ. وقال القاضي الخليل بن أحمد قال: حدثنا الماسرجي فقال: حدثنا إسحاق قال:
حدثنا حكام بن سلم الرازي قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن قيس بن عباد، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ. قال: إن الناس بعد آدم وقعوا في الشرك، واتخذوا هذه الأصنام، وعبدوا غير الله تعالى، فجعلت الملائكة يدعون عليهم ويقولون: ربنا خلقت عبادك فأحسنت خلقهم، ورزقتهم فأحسنت رزقهم، فعصوك وعبدوا غيرك. فقال لهم الرب عز وجل: إنهم في عذر، وقيل: في عيب فجعلوا لا يعذرونهم ولا يقبلون ويدعون عليهم. فقال لهم الرب: اختاروا منكم اثنين.
فأهبطهما إلى الأرض فآمرهما وأنهاهما، فاختاروا هاروت وماروت فأهبطهما الله تعالى إلى الأرض فأمرهما ونهاهما عن الزنى وقتل النفس وشرب الخمر، فمكثا زماناً في الأرض يحكمان بالحق. وكان في ذلك الزمان امرأة فضِّلت بالحسن على سائر النساء، فأتيا عليها فخضعا لها بالقول وراوداها عن نفسها فقالت: لا حتى تصليا لهذا الصنم، أو تقتلا هذه النفس، أو تشربا هذه الخمر. فقالا: أهون الثلاثة شرب الخمر. فلما شربا الخمر سجدا للصنم وفعلا بالمرأة وقتلا النفس، فكشف الغطاء فيما بينهما وبين الملائكة، فنظروا إليهما وما يفعلان، فجعلت الملائكة يعذرون بني آدم أهل الأرض ويستغفرون لمن فيها فقيل لهاروت وماروت: اختارا إما عذاب الدنيا وإما عذاب الآخرة. فقالا: عذاب الدنيا يذهب وينقطع وعذاب الآخرة لا انقطاع له ثم اختاروا عذاب الدنيا. فهما يعذبان إلى يوم القيامة.
وروي في الخبر أن المرأة تعلمت منهما اسم الله الأعظم، فصعدت به إلى السماء فمسخها الله تعالى كوكباً. ويقال: هو الكوكب الذي يقال له الزهرة. وروي عن ابن عمر أنه كان إذا نظر إلى الزهرة لعنها ويقول: هي التي فتنت هاروت وماروت. وروي عن علي رضي الله عنه هذا. وقال بعضهم: هذا لا يصح، لأن هذا الكوكب قد كان خلقه في الأصل حين خلق النجوم، وجعل مقادير الأشياء على سبع من الكواكب، وجعل لكل كوكب سلطاناً، وجعل سلطان الزهرة الرطوبة. وقال بعضهم: إن كوكب الزهرة قد كان، ولكن الله تعالى مسخ هذه المرأة على شبه الكوكب فهي تعذب هناك. وقال بعضهم: قد صارت إلى النار، كما أن سائر الأشياء التي مسخت لم يبق منها أثر فذلك قوله تعالى: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، يعني اليهود اتبعوا ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت.
وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى، قال بعضهم: هذا الحرف أعني مَا للنفي، فكأنه يقول: ولم ينزل على الملكين السحر. وقال بعضهم: إن إبليس لعنه الله قد جاء بالسحر ووضعه عند أقدامهما، وهما معلقان بالسلة فتذهب اليهود تتعلم السحر من تلك الكتب والملكين. يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ، أي فلا تتعلم السحر، لأنه لا يجوز للملكين أن