قال مقاتل: وهو النيل، فعلمها جبريل عليه السلام. ويقال: رأت في المنام بأنها تؤمر أن تلقيه في البحر. ويقال: كان هذا إلهاماً. ويقال: كانت دلالة لها حيث علمت بالرؤيا أو بشيء خيل لها أن تفعل ما فعلت، كما أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام ذبح إسحاق أو إسماعيل عليهما السلام وذكر أنها كانت تخبز يوماً، وكان موسى عليه السلام على رأس التنور، فدخل قوم فرعون يطلبون الولد، فوضعته في التنور، فدخلوا فلم يجدوا موسى عليه السلام فجاءت إلى التنور، فوجدته يلعب بأصابعه في الأرض، فاستيقنت أن الله تعالى يحفظه، فجعلته في التابوت، وألقته في النيل.
ثم قال: وَلا تَخافِي الغرق وَلا تَحْزَنِي أن لا يرد إليك إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ يعني: رسولاً إلى فرعون وقومه. فلما ألقته في النيل جاء به الماء، وكان يمرّ النيل في دار فرعون، فوجدته جواري فرعون بين الماء والشجر، فمن ثم سمي موسى بلفظ القبط موشى، فالمو: الماء، وشا: الشجر. فذلك قوله تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً يعني: إن أخذهم إياه كان سبباً لحزنهم، فكأنهم أخذوه لذلك، وإن كان أخذهم لم يكن لذلك. قرأ حمزة والكسائي وَحَزَناً بضم الحاء، وسكون الزاي. وقرأ الباقون بنصب الحاء والزاي، وهما لغتان: ومعناهما واحد. ثم قال: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ يعني: مشركين، ويقال: عاصين آثمين.
قوله عز وجل: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ واسمها آسية لفرعون: هذا الغلام قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ فإنه آتانا به الماء من مصر آخر، ومن أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل ويقال: إنها قالت: إن هذا كبير ومولود قبل هذه المدة التي أخبر لك عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً فإنه لم يكن له ولد ذكر. قال فرعون: فهو قرة عين لك، فأما أنا فلا.
وروي عن ابن عباس أنه قال:«لو قال فرعون أيضاً: هو قرة عين لي لنفعه الله تعالى به، ولكنه أبى» . ويقال: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي، وقد تمّ الكلام. ثم قالت: وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ.
قال: وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقف على قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ثم قال: لا تَقْتُلُوهُ، أي لاَ تَقْتُلُوهُ فلا الثاني إضمار في الكلام، والتفسير الأول أصح. ثم قال: وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ يعني: لا يشعر فرعون وقومه أن هلاكهم على يديه.
ثم قال عز وجل: وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً يعني: خالياً من كل ذكر وشغل إلا ذكر موسى عليه السلام وهمّه. ويقال: صار قلبها فارغاً حين بعثت أخته لتنظر، فأخبرتها بأنه قد أخذ