فافعل ذلك على وجه الإضمار. وهذا كما قال في آية أخرى: مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ [الحج: ١٥] الآية.
وروى محمد بن المنكدر: أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أمر السماء أن تطيعك، وأمر الأرض أن تطيعك، وأمر الجبال أن تطيعك، فإن أحببت أن ينزل عذاباً عليهم قال:«يا جبريل أؤخر عن أمتي لعل الله أن يتوب عليهم» .
ثم قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى يعني: لهداهم إلى الإيمان. ويقال: ولو شاء لاضطرهم إلى الهدى كما قال في آية أخرى إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: ٤] ومعناه: وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ على الهدى قهراً وجبراً، ولكن ما فعل وكلفهم وتركهم فاختيارهم.
ثم قال: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني: بأنه لو شاء لهداهم. وقال الضحاك: يعني: القدر خيره وشره من الله تعالى، فلا تجعل معرفة ذلك بعد البيان.
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعني: يطيعك، ويصدقك الذين يسمعون منك كلام الهدى والمواعظ. قال الزجاج يعني: يسمع سماع قابل. فالذي لا يقبل كأنه أصم. كما قال القائل: أصم عما ساءه سميع. ويقال: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ بأنه يؤمن بك بعضهم، ولن يؤمن بك البعض. وإنما يؤمن بك الذي وفقه الله للهدى وهو أهل لذلك. وقال: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعني: يعقلون الموعظة.
ثم قال: وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ أي: كفار مكة سماهم الله موتى، لأنه لا منفعة لهم في حياتهم يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يعني يحييهم بعد الموت ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ يعني الكفار في الآخرة فينبئهم، فهذا تهديد لهم.