قوله تبارك وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يقال: يا نداء، وها تنبيه، والَّذِينَ إشارة. وآمَنُوا مدحه. روي عن الضحاك أنه كان يقرأ: لاَ تُقَدِّمُوا بنصب التاء والدال. وقراءة العامة لاَ تُقَدِّمُوا برفع التاء، وكسر الدال. فمن قرأ بالنصب، فهو في الأصل لا تتقدموا، فحذفت إحدى التاءين لتكون أخف. ومن قرأ بالضم فهو من قدم تقدم.
يقال: فلان تقدم بين يدي أبيه، وبين يدي الإمام. يعني: تعجل بالأمر، وانتهى بدونه.
يعني: لا تقدموا الكلام بين يدى الله، ورسوله. ومعناه: لا تقولوا قبل أن يقول الرسول صلّى الله عليه وسلم. ويقال: معناه إذا أمرتم بأمر فلا تفعلوه قبل الوقت الذي أمرتم به. وقال الحسن:
إن قوماً ذبحوا قبل أن يصلي النبيّ صلّى الله عليه وسلم يوم النحر، فأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلم أن يذبحوا آخر، فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وقال مسروق: كنا عند عائشة يوم الشك فأُتي بلبن، فناولتني، فقلت: إني صائم. فقالت عائشة رضي الله عنها: وقد نهي عن هذا. وقرأت هذه الآية وقالت هذه الآية نزلت في الصوم وغيره. وقال مقاتل: نزلت الآية في ثلاثة نفر، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث سرية، وأمر عليهم المنذر بن عمرو. فخرج بنو عامر بن صعصعة عند بئر معونة، فرصدوهم على الطريق، وقتلوهم. فرجع ثلاثة منهم، فلما دنوا إلى المدينة، خرج رجلان من بني سليم صلحاً لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد كان أهداهما، وكساهما، فقالا: نحن من بني عامر، لأن بني عامر كانوا أقرب إلى المدينة، فقتلوهما، وأخذوا من ثيابهما، وجاءوا بها إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فنزل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني:
لا تعجلوا بقتل، ولا بأمر، حتى تستأمروا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. وروي عن الحسن في رواية أُخرى أنه قال: لا تعملوا بخلاف الكتاب والسنة.