ثم قال: فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ إلى الدنيا ولم يذكر في الآية الجواب، لأن في الكلام ما دل عليه فكأنه يقول: ولو ترى يا محمد كفار قريش حين وقفوا على النار، لعجبت من ذلك فقالوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ إلى الدنيا. وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرأ حمزة وابن عامر وعاصم في رواية حفص: وَلا نُكَذِّبَ بالنصب وَنَكُونَ بالنصب وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم في رواية أبي بكر: وَلا نُكَذِّبَ وَنَكُونَ كلاهما بالضم على معنى الخبر. ومن قرأ بالنصب فلأنه جواب التمني. وجواب التمني إذا كان بالواو والفاء يكون بالنصب. كقولك: ليتك تصير إلينا ونكرمك. وقرأ بعضهم: وَلا نُكَذِّبَ بالضم ونَكُونَ بالنصب في رواية هشام بن عمار عن ابن عامر. وقرأ عبد الله بن مسعود: فَلا نُكَذّبَ بالفاء.
قوله تعالى: بَلْ بَدا لَهُمْ يعني: ظهر لهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ بألسنتهم. لأن الجوارح تشهد عليهم بالشرك، فحينئذٍ يتمنون الرجعة وَلَوْ رُدُّوا إلى الدنيا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ يعني: رجعوا إلى كفرهم وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في قولهم: وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا لأنهم قد علموا في الدنيا وعاينوه. وقد عاين إبليس وشاهد ومع ذلك كفر وكذلك هاهنا لو رجعوا لكفروا كما كفروا من قبل، لأنك ترى في الدنيا إنساناً أصابه مرض أو حبس في السجن، أخلص بالتوبة لله تعالى أن لا يرجع إلى الفسق، فإذا برأ من مرضه أو أطلق من الحبس رجع إلى الحال الأول.
وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا يعني: ما هي إلا آجالنا تنقضي في الدنيا، فيموت الآباء، ويجيء الأبناء وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد الموت. فيبيّن الله تعالى حالهم يومئذٍ فقال:
وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا يعني: عرضوا وسيقوا وحبسوا عَلى رَبِّهِمْ يعني: عند ربهم وعند عذاب ربهم قالَ أَلَيْسَ هذا يعني: العذاب والبعث بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا أقروا في وقت لا ينفعهم الإقرار قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ به وتجحدونه.