ثم قال تعالى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: قد صنع الذين من قبلهم مثل المقتسمين، فأبطل الله كيدهم فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ أي: قلع بنيانهم من أساس البيت فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أي: سقف البيت، قال الكلبي: وهو نمروذ بن كنعان، بنى صرحاً طوله في السَّماء خمسة آلاف ذراع وكان عرضه ثلاثة آلاف ذراع وخمسون ذراعاً، فهدم الله بنيانه، وخرّ عليهم السقف من فوقهم، فأهلكهم الله. وقال القتبي: هذا مثل، أي أهلك من قبلهم من الكفار كما أهلك من هدم مسكنه من أسفله فخرّ عليه. ويقال: هدم بنيان مكرهم من الأصل، فخرّ عليهم السقف، أي: رجع وبال مكرهم إليهم، كقوله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: ٤٣] وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ أي: لا يعلمون.
قوله عز وجل: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ أي: يعذبهم، وما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم. وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ أي: تعادونني وتخالفونني بسببهم وعبادتهم. قرأ نافع تُشَاقُّونَ بكسر النون على معنى الإضافة والباقون بالنصب لأنها نون الجماعة.
قوله عز وجل: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أي: يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه، ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي: الذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله تعالى فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أي: انقادوا واستسلموا حين رأوا العذاب. قالوا: مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ أي: ما كنا نشرك. وقال الكلبي: هم قوم خرجوا مع المشركين يوم بدر، وقد تكلموا بالإيمان، فلما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى الشرك فقتلوا. ويقال: جميع المشركين. قال الله تعالى: بَلى أشركتم بالله إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ من الشرك.