قوله عز وجل: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ مثل ما نأكل وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ يعني: يتردد في الطريق لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يعني: معيناً يخبره بما يراد به من الشر أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ يعني: يعطى له كنز أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يعني: بستانا يَأْكُلُ مِنْها وذلك أن كفار قريش اجتمعوا في بيت، فبعثوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم، فقال له العاص بن وائل السهمي وقريش معه: قد تعلم يا محمد أن لا بلاد أضيق ساحة من بلادنا، ولا أقل أنهاراً ولا زرعاً، ولا أشدَّ عيشاً، فادع ربك أن يسير عنا هذه الجبال، حتى تنفسح لنا بلادنا، ثم يفجر لنا فيها أنهاراً، حتى نعرف فضلك عند ذلك، ونراك تمشي في الأسواق معنا تبتغي من يسير العيش، فاسأل ربك أن يجعل لك قصوراً أو جناناً، وليبعث معك ملكاً يصدقك، فنزل حكاية عن قولهم: أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها قرأ حمزة والكسائي: نأكل منها بالنون، وقرأ الباقون بالياء.
وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ يعني: ما تطيعون يا أصحاب محمد إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً يعني: مغلوب العقل. ويقال: مَسْحُوراً يعني: مخلوقا، لأن الذي تكون مخلوقاً يكون حياته بالمعالجة بالأكل والشرب، فيسمى مسحوراً. ويقال: مسحوراً أي: سحر به.
قوله عز وجل: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ يعني: انظر يا محمد كيف وصفوا لك الأشباه، إلى ماذا شبهك قومك بساحر وكاهن وكذاب فَضَلُّوا عن الهدى، ويقال: ذهبت حيلتهم، وأخطئوا في المقالة. فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا يعني: لا يجدون حيلة ولا حجة على ما قالوا لك، ولا مخرجا لتناقض كلامهم حيث قالوا مرة: مجنون، ومرة: ساحر.
ثم قال عز وجل: تَبارَكَ وتعالى، وقد ذكرناه الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ يعني: خيراً مما يقول الكفار في الآخرة جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً في الجنة، ويقال: في الدنيا إن شاء أعطاك. وروى سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت قال: عن خيثمة قال: «قيل للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعط من قبلك أحداً، ولا نعطي من بعدك أحداً، ولا ينقص ذلك مما عند الله شيئاً. وإن شئت جمعناها لك في الآخرة. قال صلّى الله عليه وسلّم: «بل اجمعها لِي في الآخِرَة» فنزل تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ