تِلْكَ آياتُ اللَّهِ وهو ما قصّ عليه من أخبار الأمم. نَتْلُوها عَلَيْكَ، أي ننزلها بقراءة جبريل عليك بِالْحَقِّ، أي بالصدق. وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ، يعني إنك لمن جملة المرسلين الذين ذكرناهم. وقال الزجاج تلك آيات الله، أي هذه الآيات التي أنبئت، أي العلامات التي تدل على توحيده وتثبت رسالته، إذ كان يعجز عن إتيان مثلها المخلوقون وإنك من هؤلاء المرسلين، لأنك قد أتيتهم بالعلامات.
تِلْكَ الرُّسُلُ، الذين أنزلنا عليك خبرهم في القرآن، فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ في الدنيا. ويقال: التفضيل يكون على ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون دلالة نبوته أكثر. والثاني: أن تكون أمته أكثر. والثالث: أن يكون بنفسه أفضل. ثم بيّن تفضيلهم فقال: مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ، مثل موسى- عليه السلام- وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ، يعني إدريس- عليه السلام- كما قال تعالى: وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم: ٥٧] . وقال الزجاج: جاء في التفسير أنه أراد محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنه أرسله إلى الناس كافة. وليس شيء من الآيات التي أعطاها الله الأنبياء- عليهم السلام- إلا والذي أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم أكثر، لأنه قد كلمته الشجرة، وأطعم من كف من التمر خلقاً كثيراً، وأمرَّ يده على شاة أم معبد فدرت لبناً كثيراً بعد الجفاف، ومنها انشقاق القمر فذلك قوله: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ [الزخرف: ٣٢] ، يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ، يعني العجائب والدلائل وهو: أن يحيي الموتى بإذنه، ويبرئ الأكمه والأبرص وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، يعني أعناه بجبريل حين أرادوا قتله.
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ التي أتاهم بها موسى وعيسى- عليهما السلام- وقال الزجاج: يحتمل وجهين: ولو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة ويحتمل ولو شاء الله اضطرهم إلى أن يكونوا مؤمنين، كما قال تعالى:
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى [الأنعام: ٣٥] ولكن اختلفوا في الدين فصاروا فريقين فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بالكتاب والرسل. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وجعلهم على أمر واحد. وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، أي يعصم من يشاء من الاختلاف، ويخذل من يشاء فلا مرد لأمره، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.