يعني: لا شك. ويقال: لا كذب. ويقال: لا جَرَمَ، أي: بلى. وذكر عن الفراء أنه قال:
لا جَرَمَ، كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فكثر استعمالهم إياها حتى صارت بمنزلة حقاً، أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ يعني: الخاسرين. ويقال: الأخسر إذا قلت بالألف واللام، يكون بمعنى الخاسر، وإذا قلت: أخسر بغير الألف واللام، يكون أخسر من غيره.
ثم أخبر عن المؤمنين، وما أعدّ لهم في الآخرة، فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يعني: صدقوا بوحدانية الله تعالى، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، يعني: الطاعات فيما بينهم وبين ربهم، وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، قال القتبي: يعني تواضعوا، والإخبات: التواضع.
وقال مقاتل: وَأَخْبَتُوا يقول أخلصوا، ويقال: يخشعون فرقاً من عذاب ربهم، أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ يعني: أهل الجنة هُمْ فِيها خالِدُونَ يعني: دائمون، لا يموتون ولا يخرجون منها.
ثم ضرب مثل المؤمنين والكافرين فقال تعالى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ يعني: مثل المؤمن والكافر، مثل الذي يبصر الحق، ومثل الذي لا يبصر الحق: كَالْأَعْمى يعني: عن الإيمان، ولا يبصره، وَالْأَصَمِّ عن الإيمان، ولا يسمعه، وهو الكافر، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وهو المؤمن. هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا في الشبه؟ ويقال: معناه، مثل الفريقين كالأعمى والأصم، والبصير والسميع، يعني: الذي لا يسمع من الذي لا يسمع ولا يبصر، هل يستوي بالذي يسمع ويبصر؟ ويقال معناه: كالأعمى والبصير، والأصم والسميع. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لكفار مكة:«هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ والأصَمُّ وَالسَّمِيعُ؟» قالوا لا. قال: أَفَلا تَذَكَّرُونَ يعني: أنهما لا يستويان. قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ بالتخفيف، وقرأ الباقون: أَفَلا تَذَكَّرُونَ بالتشديد.
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ قرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، إِنِّي لَكُمْ بكسر الألف، ومعناه: قال لهم إنِّي لكم نذير. وقرأ الباقون: بالنصب، ومعناه: ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه بالإنذار. وفي الآية تهديد لأهل مكة، ومعناه: واتل عليهم نبأ نوح، يعني: إن لم يتّعظوا بما ذكرت، فاتل عليهم خبر نوح.