الله صلّى الله عليه وسلّم من البحرين بثمانين ألفاً، ما أتاه من مال أكثر منه لا قبل ولا بعد، قال: فنثرت على حصير ونودي بالصلاة، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمثل على المال قائماً وجاء أهل المسجد، فما كان يومئذ عدد ولا وزن ما كان إلا قبضا. قال: فجاء العباس فقال: يا رسول الله، أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر، ولم يكن لعقيل مال، فأعطني من هذا المال. فقال: خُذْ مِنْ هذا المَالِ، قال: فحثى في خميصته فأراد أن يقوم فلم يستطع، فرفع رأسه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال:
يا رسول الله، ارفع عَلَيَّ. فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أعِدْ مِنَ المَالِ طَائِفَةً وَقُمْ بِمَا تُطِيقُ» .
قال: ففعل، فجعل العباس يقول وهو منطلق: أما إحدى اللتين وعدنا الله فقد أنجزها، فلا ندري ما يصنع في الأُخرى وهو قوله: يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وعن أبي صالح أنه قال: رأيت للعباس بن عبد المطلب عشرين عبداً، كل واحد منهم يتجر بعشرة آلاف، قال العباس: أنجزني الله أحد الوعدين، فأرجو أن ينجز الوعد الثاني «١» .
ويقال: يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ يعني الجنة.
[[سورة الأنفال (٨) : آية ٧١]]
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
قوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ، يعني خلافك ويميلوا إلى الكفر بعد إسلامهم، فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ يعني: عصوا الله وكفروا من قبل. فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ، يعني: فأمكنك منهم وأظهرك عليهم يوم بدر، حتى قهرتهم وأسرتهم. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بخلقه، حَكِيمٌ حيث أمكنك عليهم، يعني: إن خانوك أمكنك منهم، لتفعل بهم مثل ما فعلت من قبل.
[[سورة الأنفال (٨) : آية ٧٢]]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢)
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، يعني: صدّقوا بتوحيد الله وبمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، وَهاجَرُوا من مكة إلى المدينة، وَجاهَدُوا العدو بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني:
في طاعته وفيما فيه رضاء الله.
ثم ذكر الأنصار فقال: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا، يعني: آووا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونصروه والمهاجرين، يعني: أنزلوهم وأسكنوهم ديارهم، ونصروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسيف. أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ، يعني: في الميراث وفي الولاية، ليرغبهم في الهجرة فريضة في ذلك الوقت.
(١) عزاه السيوطي: ٤/ ١١٢ إلى ابن سعد والحاكم وصححه.