للمسلم أن يصبر على أذاه في الله، وصارت الآية تنبيها لجميع المسلمين ليصبروا على ما أصابهم في الله عز وجل.
ثم قال: وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ يعني: لو يجيء نصر من الله عز وجل بظهور الإسلام، والغلبة على العدو بمكة وغيرها لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أي: على دينكم أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ
يعني: أو ليس الله عليم بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ من التصديق والتكذيب أعلم بمعنى عليم يعني: هو عليم بما في قلوب الخلق. ويقال: معناه هو أعلم بما في صدورهم منهم، أي بما في صدور أنفسهم.
قوله عز وجل: وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني: ليميزن الله الذين ثبتوا على الإسلام وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ يعني: ليميزن المنافقين الذين لم يكن إيمانهم حقيقة.
قوله عز وجل: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: جحدوا وأنكروا لِلَّذِينَ آمَنُوا وذلك: أن أبا سفيان بن حرب، وأمية بن خلف، وعتبة بن شيبة، قالوا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه:
وخباب بن الأرت، وأناس آخرين من المسلمين: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا يعني: ديننا الذي نحن عليه، واكفروا بمحمد عليه السلام ودينه وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ يعني: نحن الكفلاء لكم بكل تبعة من الله عز وجل تصيبكم، وأهل مكة شهداء علينا. يقول الله عز وجل: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: لا يقدرون أن يحملوا خطاياهم، يعني: وبال خطاياهم عنهم، ولا يدفعون عنهم، لأنهم لو استطاعوا أن يدفعوا لدفعوا عن أنفسهم إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في مقالتهم.
ثم قال عز وجل: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ يعني: أوزار أنفسهم يكون في عنقهم، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ يعني: يحملون أوزار الذين يضلونهم من غير أن ينقص من أوزار العاملين من شيء، وهذا كقوله عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النحل: ٢٥] وهذا كما روي في الخبر «من سن سنة سيئة، كان عليه وزرها، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» ثمّ قال: وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ يعني: عما يقولون من الكذب.