للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ يعني: يصفون لله ويقولون: الملائكة بنات الله فقال:

سُبْحانَهُ أي: تنزيهاً له عن الولد وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ يعني: الأولاد الذكور، أي: يصفون لغيرهم البنات، ولأنفسهم الذكور.

ثم وصف كراهتهم البنات لأنفسهم فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى يقول: إذا بشر أحد الكفار بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا أي: صار وجهه متغيراً من الحزن والخجل، وَهُوَ كَظِيمٌ أي: مكروباً مغموماً من الحزن، يتردد حزنه في جوفه.

ثم قال: يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ يعني: يكتم ما به من القوم ويستتر ويختفي من سوء مَا بُشّرَ بِهِ أي: ما ظهر على وجهه من الكراهية، ويدبر في نفسه كيف أصنع بها أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أي: الأنثى التي ولدت له على هوان، يعني: أيحفظه على هوان أَمْ يَدُسُّهُ أي: يدفنه فِي التُّرابِ أَلا ساءَ مَا يَحْكُمُونَ أي: بئسما يقضون به، لأنفسهم الذكور وله الإناث.

[سورة النحل (١٦) : الآيات ٦٠ الى ٦٢]

لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢)

ثم قال عز وجل: لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي: المشركين مَثَلُ السَّوْءِ أي: جزاء السوء النار في الآخرة. ويقال: عاقبة السوء. ويقال: لآلهتهم صفة السوء صم بكم عمي ويقال للكفار: هم صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ. وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي: الصفة العليا، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص: ٣- ٤] فهذا وصفه الأعلى وَهُوَ الْعَزِيزُ في ملكه الْحَكِيمُ في أمره، أَمَرَ الخلق أن لا يعبدوا غيره.

قوله: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي: بشركهم ومعصيتهم، مَّا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ أي: لم يترك على ظهر الأرض من دابة، ودل الإضمار على الأرض، لأن الدواب إنما هي على الأرض. يقول: أنا قادر على ذلك. وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: إلى وقت معلوم، ويقال: مَّا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ لأنه لو أخذهم بذنوبهم لمنع المطر، وإذا منع المطر لم يبق في الأرض دابة إلا أهلكت، ولكن يؤخر العذاب إلى أجل مسمى. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «لو عذب الله الخلائق بذنوب بني آدم، لأصاب العذاب جميع الخلائق، حتى الْجُعْلاَن في جحرها، ولأمسكت السماء عن الأمطار، ولكن يؤخرهم بالفضل والعفو» .

<<  <  ج: ص:  >  >>