للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاغراً يهان فيه. قرأ عاصم يُضاعَفْ لَهُ بالألف، وضم الفاء. وقرأ ابن عامر وابن كثير:

يضعّف بغير ألف، والتشديد، وجزم الفاء. وقرأ الباقون بالألف، وجزم الفاء. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر، وَيَخْلُدْ بضم الدال.

وروى حفص عن عاصم وابن كثير، وَيَخْلُدْ بالإشباع، وقرأ الباقون يَخْلُدْ بجزم الدال. فمن قرأ يُضاعَفْ ويَخْلُدْ بالرفع فالوقف هنا على قوله: أَثاماً ومن قرأهما بالجزم فلا يقف على أَثاماً لأنهما جوابا الشرط، والشرط والجواب هما مجزومان.

ثم قال عز وجل: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ يعني: تاب من الشرك والزنى والقتل، وصدَّق بتوحيد الله تعالى: وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ يعني: مكان الشرك الإيمان، ومكان القتل الكف، ومكان الزنى العفاف، ومكان المعصية العصمة والطاعة. ويقال:

إنه يبدل في الآخرة مكان عمل السيئات الحسنات.

وروي عن ابن مسعود أنه قال: «إن يوم القيامة إذا أعطي الإنسان كتابه في الآخرة فيرى في أوله معاصي، وفي الآخر الحسنات، فلما رجع إلى أول الكتاب، رآه كله حسنات» .

روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يُعْرَضُ عَلَيْهِ صغار ذُنُوبِهِ، وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنَ الكتاب أَنْ تَجِيءَ ذُنُوبُهُ العِظَامُ، فإذا أريد به خير قِيلَ: أَعْطُوهُ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ:

يَا ربّ إِنَّ لِي ذُنُوباً ما أراها هانا» . قال: ولقد رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يضحك «١» ، ثم تلا: هذه الآية: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ. وذكر عن أبي هريرة أنه قال: «خرجت من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسألتني امرأة في الطريق فقالت: زنيت، ثم قتلت الولد، فهل لي من توبة؟

فقلت: لا توبة لك أبداً. ثم قلت: أفتيتها ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ فرجعت إليه فأخبرته بذلك فقال: «هَلِكْتَ وَأهْلَكْتَ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ هذه الآية؟ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إلى قوله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ فخرجت وقلت: من يدلني على امرأة سألتني مسألة، والصبيان يقولون: جن أبو هريرة حتى أدركتها وأخبرتها بذلك فسرت وقالت: إن لي حديقة جعلتها لله ولرسوله» «٢» . وقال بعضهم: هذه الآية مدنية نزلت في شأن وحشي، وقال بعضهم: الآية قد كانت نزلت بمكة فكتب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى وحشي ثم قال تعالى:

وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً يعني: غَفُوراً لما فعلوا قبل التوبة لمن تاب، رَحِيماً بالمؤمنين بعد التوبة.

[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٧١ الى ٧٧]

وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً (٧١) وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (٧٢) وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً (٧٣) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً (٧٤) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥)

خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٧٦) قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (٧٧)


(١) حديث أبي ذر: أخرجه مسلم (١٩٠) (٣١٤) (٣١٥) والترمذي (٢٥٩٦) وأحمد: ٥/ ١٧٠ والبغوي (٤٣٦٠) .
(٢) عزاه السيوطي: ٦/ ٢٧٩ إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>