للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض، والمعنى أن السموات كانت واحدة ففتقتها وجعلتها سبعاً، وكذلك الأرض. وقيل: إنما فتقت السماء بالمطر، والأرض بالنبات بدليل قوله: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، وقال:

رَتْقاً ولم يقل رتقين، لأن الرتق مصدر، والمعنى: كانتا ذواتي رتق، ودلهم بهذا على توحيده حيث قال: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ يعني: جعلنا الماء حياة كل شيء، وهو قول مقاتل. وقال قتادة: خلق كل شيء حي من الماء، وقال أبو العالية رحمه الله: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ يعني: من النطفة. أَفَلا يُؤْمِنُونَ؟ يعني: أفلا يصدقون بتوحيد الله بعد هذه العجائب.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٣١ الى ٣٥]

وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٣٣) وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (٣٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ (٣٥)

وقوله عز وجل: وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ، أي: الجبال الثقال الثوابت. أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ، يعني: كيلا تميل، ويقال: كراهية أن تميل بكم. وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا، يعني:

في الأرض وفي الجبال أودية. والفجاج: جمع فج، وهو كل مخترق بين جبلين سُبُلًا يعني: طرقاً. لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ، لكي يعرفوا الطرق. وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً من السقوط كيلا تسقط عليهم. وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ يعني: عن شمسها وقمرها ونجومها وما فيها من الأدلة والعبر مُعْرِضُونَ يعني: لا يتفكرون فيها. وقرأ بعضهم: وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ ومعناه: إن السماء بنفسها من أعظم آية، لأنها متمسكة بقدرته.

ثم قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ، يعني: الظلمة والضوء. وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ، أي في دوران يجرون. وقال قتادة: يجرون في فلك السماء، وقال الكلبي: كل شيء يدور فهو فلك وقال القتبي: الفلك القطب الذي تدور به النجوم، وهو كوكب خفي بقرب الفرقدين وبنات نعش، عليه تدور السماء. فقد ذكر بلفظ العقلاء أنهم يسبحون، لأنه وصف منهم الفعل كما ذكر من العقلاء.

ثم قال عز وجل: وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ، يعني: في الدنيا أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ وذلك أن أناساً من الكفار قالوا: إن محمداً صلّى الله عليه وسلّم يموت، فنزل: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، يعني: بالغنى والفقر والرخاء والشدة فِتْنَةً، يعني:

اختباراً لهم. وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ في الآخرة. قرأ أبو عمرو في إحدى الروايتين يَرْجِعُونَ بالياء بلفظ المغايبة، وقرأ الباقون تُرْجَعُونَ بالتاء على معنى المخاطبة، وقرأ ابن عامر في إحدى الروايتين يَرْجِعُونَ بنصب الياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>