وهو قوله: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [المائدة: ١٢] الآية. ويقال: أَوْفُوا بِعَهْدِي الذي قبلتم يوم الميثاق، أُوفِ بِعَهْدِكُمْ الذي قلت لكم، يعني به الجنة.
قوله تعالى: وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ، يعني: فَاخْشَوْنِ. وأصله فارهبوني بالياء لكن حذفت الياء وأقيم الكسر مقامها. ثم قال: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، أي صدقوا بهذا القرآن الذي أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا أي موافقا لما معكم، من التوحيد. وفي بعض الشرائع أنزلت يعني التوراة والإنجيل وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، يعني أول من يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويقال: بِهِ يعني بالقرآن. وإنما يريد بني قريظة والنضير. فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وقد كفر به قبلهم مشركو العرب، قيل له: معناه وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ في وقت هذا الخطاب. ويقال: إن أحبار اليهود كان لهم أتباع، فلو أسلموا أسلم أتباعهم ولو كفروا كفر أتباعهم كلهم، فهذا معنى قوله وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ من قومكم. وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا أي بكتمان صفة محمد صلى الله عليه وسلم عرضاً يسيراً، لأنهم كانوا عرفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وكانت لهم مأكلة ووظائف من سفلة اليهود، وكانت لهم رئاسة، فكانوا يخافون أن تذهب وظائفهم ورئاستهم فقال: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا أي عرض الدنيا وإنما سماه قليلاً، لأن الدنيا كلها قليل. ثم خوفهم فقال: وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ في صفة محمد صلى الله عليه وسلم فمن جحد به أدخلته النار.
قوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ يقال في اللغة: لبس يلبس لبساً إذا لبس الثياب. ومعناه لا تخلطوا الحق بالباطل، فتكتمون صفته، وذلك أنهم كانوا يخبرون عن بعض صفته، ويكتمون البعض ليصدقوا بذلك فيلبسون عليهم بذلك. وقال قتادة: وَلا تَلْبِسُوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل غيره هو الإسلام. ويقال:
معناه ولا تؤمنوا ببعض أمره وتكفروا ببعض أمره.
ثم قال تعالى: وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، يقول: ولا تكتموا الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنكم تكتمون الحق. وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، أي أقيموا الصلوات الخمس بركوعها وسجودها في مواقيتها، وَآتُوا الزَّكاةَ المفروضة وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أي صلوا مع المصلين، مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الجماعات. ويقال: صلوا مع المصلين إلى الكعبة. وقال قتادة:
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، وهما فريضتان واجبتان ليس لأحد فيهما رخصة، فأدوهما إلى الله عز وجل.