السلام- جاءوا على صورة الضيفان. وعلى داود- عليه السلام- مثل خصمين. وكان جبريل- عليه السلام- ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية الكلبي.
ثم قال: وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ مَّا يَلْبِسُونَ يعني لو نزل الملك على أشباه الآدميين لا يزول عنهم الاشتباه. والتلبس وروى بعضهم عن ابن عامر أنه قرأ: مَّا يَلْبِسُونَ بنصب الباء يعني:
جعلنا عليه من الثياب ما يلبسونه على أنفسهم. ظنوا أنه آدمي. والقراءة المعروفة: بالكسر.
يقال: لبس يلبس إذا لبس الثوب. ولبس يلبس: إذا خلط الأمر. وقال القتبي: وَلَلَبَسْنا يعني: أضللناهم بما ضلوا به مِن قَبْلِ أَن يبعث الملك.
ثم قال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ يا محمد كما استهزأ بك قومك في أمر العذاب فَحاقَ بِالَّذِينَ يقول: وجب ونزل بالذين سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ بالرسل. ويقال: فَحاقَ أي: رجع. وقال أهل اللغة: الحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فَعَلَتْه نفسه. كقوله: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: ٤٣] وقال الضحاك: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم جالساً في المسجد الحرام مع المستضعفين من المؤمنين بلال بن رباح وصهيب بن سنان وعمار بن ياسر وغيرهم. فمر بهم أبو جهل بن هشام في ملأ من قريش وقال: يزعم محمد أن هؤلاء ملوك أهل الجنة فأنزل الله تعالى عل رسوله هذه الآية ليثبت بها فؤاده، ويصبره على أذاهم فقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ يعني: إن سخر أهل مكة من أصحابك فقد فعل ذلك الجهلة برسلهم فجعل الله تعالى دائرة السوء على أهل ذلك الاستهزاء.
ثم أمر المشركين بأن يعتبروا بمن قبلهم وينظروا إلى آثارهم في الأرض فقال:
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني: قل لأهل مكة سافروا في الأرض ثُمَّ انْظُرُوا يعني:
اعتبروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ يعني: آخر أمر الْمُكَذِّبِينَ بالرسل والكتب. وقال الحسن:
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني: اقرءوا القرآن فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المتقدمين في العذاب. فقال أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فعلت هذا الفعل لطلب المال، فاترك هذا الفعل. إنا نجمع لك مالاً تصير به أغنى أهل مكة. فنزل قوله تعالى: قُلْ لِمَنْ مَّا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فإن أجابوك وإلا ف قُلْ لِلَّهِ يعني: ما في السموات وما في الأرض يعطي منها من يشاء.