ثم قال تعالى: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا، نزلت هذه الآية في ذكر المنافقين، منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، وجد بن قيس، ومعتب بن قشير وغيرهم وذلك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنهم- مرّوا بقوم من المنافقين، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: انظروا كيف أرد هؤلاء الجهال عنكم فتعلّموا مني كيف أكلمهم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: مرحباً بسيد بني تميم، وثاني اثنين، وصاحبه في الغار، وصفيه من أمته، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد عمر قال: مرحباً بسيد بني عدي القوي في أمر الله تعالى، الباذل نفسه وماله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ بيد علي فقال: مرحباً بسيد بني هاشم، ما خلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الباذل نفسه ودمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسابق إلى الهجرة فقال له علي: اتق الله يا عبد الله ولا تنافق، فإن المنافقين شر خليقة الله. قال: فلم تقول هكذا وإيماني كإيمانكم وتصديقي كتصديقكم. ثم افترقوا، فقال عبد الله لأصحابه: كيف رأيتم ردي هؤلاء عنكم؟ فقالوا: لا نزال بخير ما عشت لنا، فنزلت الآية: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا يعني إيماننا كإيمانكم، وتصديقنا كتصديقكم.
قوله تعالى: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قال الكلبي: يعني إلى كهنتهم وهم خمسة رهط من اليهود، ولا يكون كاهن إلا ومعه شيطان، منهم كعب بن الأشرف بالمدينة، وأبو بردة الأسلمي في بني سليم، وأبو السوداء بالشام، وعبد الدار من جهينة، وعوف بن مالك من بني أسد. ويقال: وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ يعني إلى رؤسائهم في الضلالة. وقال أبو عبيدة:
كل عات متمرد فهو شيطان ثم قال تعالى: قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ أي على دينكم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه- رضي الله عنهم-
قال الله تعالى: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أي يجازيهم جزاء الاستهزاء. وذكر في رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس- رضي الله عنهما- الاستهزاء أن يُفتح لهم وهم في جهنم، باب من الجنة فيهللون ويصيحون في النار فيهلكون والمؤمنون على الأرائك ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عليهم، وفتح لهم باب آخر في مكان آخر، والمؤمنون ينظرون إليهم ويضحكون، كما قال في آية أخرى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: ٣٤] الآية. وقال مقاتل: الاستهزاء ما ذكره الله تعالى في سورة الحديد يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ [الحديد: ١٣] فهذا استهزاء بهم. ثم قال تعالى: وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ يعني يتركهم في ضلالتهم يتحيرون ويترددون عقوبة لهم لاستهزائهم.