ما عليه جبلة الأمة، يعني هو على الخلقة التي خلق عليها لأن الإنسان في الأصل لا يعلم شيئاً ما لم يتعلَّم. إِلَّا أَمانِيَّ، قال بعضهم: إِلا التلاوة، وهذا كما قال في آية أخرى إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الحج: ٥٢] ، أي في تلاوته. يقول: إن السفلة منهم كانوا لا يعرفون من التوراة شيئاً سوى تلاوته. وقال بعضهم: إلا أماني: إلا أباطيل. وروي عن عثمان بن عفان أنه قال: منذ أسلمت ما تغنيت ولا تمنيت، أي ما تكلمت بالباطل. وروي في الخبر أن الإنسان إذا ركب دابته ولم يذكر الله تعالى، صكّه الشيطان في قفاه ويقول له: تغنَّ فإن لم يحسن الغناء، يقول له: تمنَّ أي تكلم بالباطل. وَإِنْ هُمْ، أي وما هم إِلَّا يَظُنُّونَ، لأنه قد ظهر لهم الكذب من رؤسائهم فكانوا يشكون في أحاديثهم وكانوا يظنون من غير يقين. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إياكم والظن فإنه من أكذب الحديث» .
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ، الويل: الشدة من العذاب. ويقال: الويل كلمة تستعمل عند الشدة ويقال: يا ويلاه. ويقال: الويل وادٍ في جهنم. قال: حدثنا محمد بن الفضل قال: حدثنا محمد بن جعفر أنه قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف قال: حدّثنا وكيع بن سفيان، عن زياد، عن أبي عياض قال: الويل واد في أصل جهنم يسيل فيه صديدهم. وإنما صار رفعاً بالابتداء. وقال الزجاج: ولو كان هذا في غير القرآن لجاز (فويلاً) على معنى: جعل الله ويلاً للذين يكتبون الكتاب، إلا أنه لم يقرأ. وذلك أن رؤساء اليهود محوا نعت محمد صلى الله عليه وسلم ثم كتبوا غير نعته، ثُمَّ يَقُولُونَ للسفلة هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، أي عرضاً يسيراً من مال الدنيا. وروي عن إبراهيم النخعي أنه كره أن يكتب المصحف بالأجر، وتأول هذه الآية فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ. إلى قوله: لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا وغيره من العلماء أباحه. ثم قال: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ، أي مما يصيبهم من العذاب وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ، أي مما يصيبون فجعل الويل لهم ثلاث مرات.
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً، روي عن الضحاك أنه قال: لم يكن أحد من الكفار أجرأ على الله تعالى من اليهود، حين قالوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] وقالوا: إن الله