لقي ربه أحوج ما كان، فلا يجد خيراً، ولا يدفع عن نفسه، ولا يكون له معين، ولا يعود إلى الدنيا، كما لا يعود الشيخ الكبير شاباً، وكان أحوج إليه قوله تعالى كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ في أمثاله فتعتبرون.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ يقول: من حلالات مَّا كَسَبْتُمْ في الآية أمر بالصدقة من الحلال، وفيها دليل: أن من تصدق من الحرام لا يقبل، لأن الواجب عليه أن يردها إلى موضعها.
ويقال: أنفقوا من طيبات، يعني من مال اللذيذ، والشهي عندكم مما كسبتم. يقول: مما جمعتم من الذهب والفضة قوله تعالى: وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي من الثمار والحبوب. وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ أي لا تعمدوا إلى رديء المال فتصدقوا منه، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما حثّ الناس على الصدقة، فجعل الناس يأتون بالصدقة، ويجمعون في المسجد، فجاء رجل بعذق من تمر عامته حَشَفٌ فنزلت هذه الآية: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ، يعني لا تعمدوا إلى الخشف فتتصدقوا منه وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ بل الطيب إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ يعني إلا أن يهضم أحدكم، فيأخذ دون حقه مخافة أن يذهب جميع حقه، فيأخذ ذلك للضرورة مخافة موت حقه، والله تعالى غني عن ذلك، فلا يقبل إلا الطيب، ويقال: إلا أن تغمضوا، يعني إلا أن يضطر أحدكم، فمسته الحاجة فرضي بذلك. قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ أي غني عما عندكم من الصدقات، حميد في أفعاله.
ويقال: حميد بمعنى محمود ويقال: حميد من أهل أن يحمد ويقال: حميد يقبل القليل، ويعطي الجزيل.
الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ يقول الشيطان يأمركم بشيئين، والله تعالى يأمركم بشيئين: أما الشيطان، فإنه يأمركم بالفقر، ويقول: لا تنفقوا ولا تتصدقوا، فإنكم تحتاجون إلى ذلك.