للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملوك، والباقون آتيتكم بلفظ الوحدان. ويقال: أخذ الميثاق بالوحي، فلم يبعث نبيّاً، إلا ذكر له محمداً صلّى الله عليه وسلم ونعته، وأخذ عليه ميثاقه أن يبينه لقومه، وأن يأخذ منهم ميثاقهم أن يبينوه لمن بعدهم، ولا يكتمونه ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ يعني به أهل الكتاب، الذين كانوا في زمن النبيّ صلّى الله عليه وسلم مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ في التوحيد وبعض الشرائع، وذلك أن الله تعالى لما أخذ ميثاق الأنبياء، وأخذ الأنبياء الميثاق من قومهم بأن يبينوه، فلما قدم النبيّ صلّى الله عليه وسلم المدينة، فكذبوه فذكرهم الله تعالى ما أتاهم به أنبياؤهم فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ يعني محمد صلّى الله عليه وسلم مصدق لما معكم من التوراة لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ يعني قال لهم في الميثاق: لتؤمنن به أي لتصدقنه إذا بُعث وَلَتَنْصُرُنَّهُ إذا خرج قالَ لهم أَأَقْرَرْتُمْ بتصديقه، يعني: هل أقررتم بما أخذ عليكم من الميثاق بتصديقه ونصره؟ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي يعني: هل قبلتم على ذلك عهدي الذي أخذت عليكم على إيمانكم بمحمد صلّى الله عليه وسلم؟

قالُوا أَقْرَرْنا قالَ الله تعالى فَاشْهَدُوا بعضكم على بعض بأني قد أخذت عليكم العهد وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ على إقراركم.

قال الزجاج: قوله فاشهدوا، أي فاثبتوا، لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي، وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ، وشهادة الله للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات. وقال القتبي: أصل الإصر الثقل، فسمي العهد إصراً، لأنه يمنع صاحبه عن مخالفة الأمر الذي أخذ عليه فثقل.

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣)

قوله تعالى: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ أي أعرض عن الإيمان، وعن البيان بعد ذلك الإقرار والعهد قوله: فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي الناقضون للعهد، ويقال: هم العاصون، وأصل الفسق الخروج من الطاعة كقوله تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف: ٥٩] أي خرج عن طاعة ربه وقوله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ قال الكلبي: وذلك أن كعب بن الأشرف وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم. فقالوا: أينا أحق بدين إبراهيم؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «كِلاَ الفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِهِ» فقالوا: ما نرضى بقضائك، ولا نأخذ بدينك، فنزل قوله تعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ أي يطلبون، قرأ عاصم في رواية حفص يَبْغُونَ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ كلاهما بالياء. وقرأ أبو عمرو يبغون بالياء، وإليه ترجعون بالتاء، وقرأ الباقون كلاهما بالتاء على معنى المخاطبة، فمن قرأ بالياء، يعني أفغير دين الله يطلبون من عندك، ومن قرأ بالتاء يعني أفغير دين الله تطلبون، وَلَهُ أَسْلَمَ، أي أخلص وخضع مَنْ فِي السَّماواتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>