ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ يقول هذه الآيات، وهذه القصص بينات في القرآن.
وأنزلنا عليك جبريل، ليقرأ عليك من الآيات يعني من البيان وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ يعني القرآن كله. وقال الكلبي: الذكر الحكيم الذي عند رب العالمين في درة بيضاء، وهو اللوح المحفوظ. ويقال هو القرآن، لأنه محكم ليس فيه تناقص، ولا يقدر أحد أن يأتي بمثله.
ثم قال: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ نزلت في وفد نجران، السيد والعاقب، والأسقف، وجماعة من علمائهم وأحبارهم، قدموا على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وناظروه في أمر عيسى- عليه السلام- فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ» ، فقالوا: أرنا خلقاً من خلق الله تعالى بغير أب، وَكَانَ يُحيي الموتى، وكان فيه دليل على ما قلنا، وكانوا يقولون: إنه اتخذه ابناً، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلم:«أسْلِمُوا» فقالوا: قد أسلمنا قبلك، فقال لهم:«كَذَبْتُمْ، إنَّمَا يَمْنَعُكُمْ مِنَ الإسْلامِ ثَلاثٌ، أَكْلُ لَحْمِ الخَنْزِيرِ، وَعِبَادَةُ الصَّلِيبِ، وَقَوْلُكُمْ: لله وَلَدٌ» ، فقالوا له: من أبو عيسى؟ فنزل قوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ يعني: شبه خلق عيسى عند الله كشبه خلق آدم خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ يعني: صوّره من غير أب ولا أم ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فكان بشراً بغير أب، كذلك عيسى كان بشراً بغير أب، وفي هذه الآية دليل علمي أن الشيء يشبه بالشيء، وإن كان بينهما فرق كبير، بعد أن يجتمعا في وصف واحد، كما أن هاهنا خلق آدم من تراب، ولم يخلق عيسى من تراب، وكان بينهما فرق من هذا الوجه، ولكن الشبه بينهما أنه خلقهما من غير أب، ولأن أصل خلقهما جميعاً كان من تراب، لأن آدم لم يخلق من نفس التراب، ولكنه جعل التراب طيناً، ثم جعله صلصالاً، ثم خلقه منه، فكذلك عيسى- عليه السلام- حوله من حال إلى حال، ثم خلقه بشراً من غير أب.