قرأ عاصم في رواية حفص فَما تَسْتَطِيعُونَ بالتاء على معنى المخاطبة، يعني يقال لهم:
لا تستطيعون صرف ذلك. وقرأ الباقون بالياء ومعناه: أن الله تعالى يقول للنبي صلّى الله عليه وسلّم: فما يستطيعون صرف ذلك عنهم.
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ يعني: يشرك بالله في الدنيا. ويقال: يكفر بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً في الآخرة، وهو عذاب النار.
[[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٢٠]]
وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)
قوله عز وجل: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ جوابا لقولهم: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ يعني: كانت الرسل من الآدميين، ولم يكونوا من الملائكة عليهم السلام.
ثم قال: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ يقول: ابتلينا بعضكم ببعض، الفقير بالغني، والضعيف بالقوي. وذلك أن الشريف إذا رأى الوضيع قد أسلم أنف عن الإسلام وقال:
أأسلم، فأكون مثل هذا، فثبت على دينه حمية. يقول الله تعالى للشريف: أَتَصْبِرُونَ أن تكونوا شرعاً، سواء في الدين وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً يعني: عالما بمن يؤمن، وبمن لا يؤمن، ويقال: جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً يعني: بلية الغني للفقير، والقوي للضعيف. لأن ضعفاء المسلمين وفقراءهم، إذا رأوا الكفار في السعة والغنى، يتأذون منهم، وكان في ذلك بلية لهم، فقال تعالى: أَتَصْبِرُونَ اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به الأمر، يعني: اصبروا كقوله: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ [المائدة: ٧٤] يعني: توبوا إلى الله. ويقال: أهل النعم بلية لأهل الشدة، لأن أهل الشدة إذا رأوا أهل النعمة تنغص عيشهم، فأمرهم الله تعالى بالصبر.
وذكر عن بعض المتقدمين: أنه كان إذا رأى غنياً من الأغنياء يقول: نصبر يا رب، يريد:
جوابا لقوله: أَتَصْبِرُونَ ثم قال: وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً يعني: عالماً بمن يصلح له الغنى والفقر ويقال: وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً يعني: عالماً بثواب الصابرين.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٢١ الى ٢٤]
وَقالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً (٢١) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لاَ بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (٢٢) وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (٢٣) أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)
قوله عز وجل: وَقالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني: لا يخافون البعث بعد الموت.
ويقال: لا يرجون الجنة والمغفرة، وهم كفار أهل مكة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ يعني: هلا