للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجهد إلى شيء مما حرم الله تعالى عليه فِي مَخْمَصَةٍ يعني مجاعة، وأصل الخمص ضمور البطن ودقته، فإذا جاع فقد خمص بطنه. ثم قال: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ يعني غير متعمد المعصية لأكله فوق الشبع، وأصل الجنف الميل. وقال الزجاج: يعني غير متجاوز للحد، وغير آكل لها على وجه التلذذ فلا إثم عليه في أكله. وقال أهل المدينة: المضطر يأكل حتى يشبع. وقال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله: يأكل مقدار ما يأمن به الموت، وكذلك قال الشافعي. ثم قال: فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني: غفور فيما أكل، رحيم حين رَخَّص له في أكله عند الاضطرار. قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو فَمَنِ اضْطُرَّ بكسر النون لاجتماع الساكنين، وقرأ الباقون بالضم.

[سورة المائدة (٥) : الآيات ٤ الى ٥]

يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤) الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥)

قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ نزلت الآية في شأن «عديّ بن حاتم الطائي» قال: قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قوم نتصيَّد بهذه الكلاب والبزاة فما يحل لنا منها؟ فقال صلى الله عليه وسلم:

«مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازِيٍّ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ، فَكُلْ مَا أمْسَكَ عَلَيْكَ» .

فقلت: وإن قتله؟ قال: «إنْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئاً فَكُلْ، فَإنَّمَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ. وَإنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئاً فَلاَ تَأْكُلْ، فَإنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» . قال: قلت فإذا خالط كلابنا كلابٌ أخرى حين ترسلها؟ قال: «لا تَأْكُلْ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ كَلْبَكَ هُوَ الَّذِي أَمْسَكَ عَلَيْكَ» . ونزلت هذه الآية يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ يعني ماذا رخص لهم من الصيد ويقال لما أنزل قوله تعالى حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ قالوا: إن الله تعالى حرم هذه الأشياء، فأي شيء لنا حلال يا رسول الله؟ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ يعني رخص لكم الحلالات من الذبائح وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ يعني وأحلّ لكم صيد ما علمتم من الجوارح من الطير والكلاب الكواسب. ويقال: الجوارح الجارحات.

ثم قال: مُكَلِّبِينَ بكسر اللام، وقرأ بعضهم بالنصب، فمن قرأ بالكسر يعني به أصحاب الكلاب المعلِّمين للكلاب، ومن قرأ بالنصب أراد به الكلاب يعني الكلاب المعلَّمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>