ثم قال: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي: يدعو ويدل ويرشد إلى التي هي أَقْوَمُ وهو توحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان برسول الله والعمل بطاعة الله. هذه صفة الحال التي هي أقوم، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ يعني: القرآن بشارة للمؤمنين الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً في الجنة وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أي: لا يصدقون بالبعث أَعْتَدْنا لَهُمْ أي: هيأنا لهم عَذاباً أَلِيماً أي: وجيعاً. قرأ حمزة والكسائي: ويبشر المؤمنين بنصب الياء وجزم الباء والتخفيف. وقرأ الباقون: وَيُبَشِّرُ برفع الياء والتشديد.
قوله: وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ وأصله في اللغة: ويدعو بالواو، إلا أن الواو والألف حذفت في الكتابة، لأن الضمة تقوم مقامها مثل قوله: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] وأصله سندعو أي: يدعو الإنسان باللعن على نفسه وأهله وولده وماله وخدمه، دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ أي: دعاءه بالرزق والعافية والرحمة وما يستجاب له. فلو استجيب له إذا دعاه باللعن كما يجاب له بالخير لهلك. ويقال: نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال: ٣٢] وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا يعني: إن آدم عجل بالقيام قبل أن تتمّ فيه الروح، وكذلك النضر بن الحارث استعجل بالدعاء على نفسه، وهو يستعجل العذاب. ويروي الحكم، عن إبراهيم، عن سلمان أنه قال:«لما خلق الله تعالى آدم، بدأ بأعلاه قبل أسفله، فجعل آدم ينظر وهو يخلق، فلما كان بعد العصر قال: يا رب عجّل قبل الليل» . فذلك قوله: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا قال ابن عباس: «لما جعل فيه الروح فإذا جاوز عن نصفه، أراد أن يقوم فسقط فلذلك قيل له: لا تعجل» ، فذلك قوله: وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا.
قوله عز وجل: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ أي: خلقنا الشمس والقمر علامتين يدلان على أن خالقهما واحد فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ أي: ضوء القمر، وهو السواد الذي في جوف القمر. وقال محمد بن كعب القرظي:«كانت شمس بالليل، وشمس بالنهار، فمحيت شمس الليل» . وقال ابن عباس:«كان في الزمان الأول لا يعرف الليل من النهار. فبعث الله جبريل، فمسح جناحه بالقمر، فذهب ضوؤه، وبقي علامة جناحه وهو السواد الذي في القمر» ، فذلك