للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ

يعني: أتممت لك، إما الثماني وإما العشر فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي: لا سبيل لك علي. ويقال: لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منه، فإن قيل: كيف تجوز الإجارة بهذا الشرط على أحد الأجلين بغير وقت معلوم؟ قيل له: العقد قد وقع على الثماني، وهو قوله:

أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ وإنّما خيّره في الزيادة، والإجارة بهذا الشرط في الشريعة جائزة أيضاً، ثم قال: وَاللَّهُ عَلى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ يعني: شهيد فيما بيننا. ويقال: شاهد على ما نقول، وعلى عقدنا.

وذكر مقاتل: أن رجلاً من الأزد سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيما الأجلين قضى موسى؟ قال:

«الله أَعْلَمُ» حتى أسأل جبريل عليه السلام» ، فأتاه جبريل، فسأله. فقال: «الله أعلم، سأسأل إسرافيل عليه السلام» فسأله فقال: «حتى اسأل رب العزة» ، فأوحى الله تعالى إلى إسرافيل عليه السلام: «أن قد قضى موسى أبرهما وأوفاهما» «١» .

وروي عن ابن عباس أنه قال: «قضى موسى أتمَّ الأجلين» ، وقد كان شرطه له أن ما ولدت في ذلك العام ولداً أبلق، فهو له، فولدت في ذلك العام كلها بلقاً، فأخذ الغنم البلق وقيل: مثل هذا الشرط في شريعتنا غير واجب، إلا أن الوعد من الأنبياء عليهم السلام واجب، فوفاه بوعده، فلما أراد أن يخرج قال لشعيب عليه السلام: يا شيخ أعطني عصا أسوق بها غنمي. فقال لابنته: التمسي له عصا، فجاءت بعصا شعيب عليه السلام. فقال شعيب عليه السلام: ردي هذه، وكانت تلك العصا أودعها إياه ملك في صورة إنسان، وكانت من عود آس الجنة، فردتها والتمست غيرها، فلم يقع في يدها غيرها، فأعطته، فخرج مع أهله فضل الطريق، وكانت ليلة باردة مظلمة، فذلك قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ يعني:

بِامرأتِهِ آنَسَ يعني: أبصر مِنْ جانِبِ الطُّورِ نَاراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا يعني: قفوا مكانكم إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي: خبر الطريق أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ قرأ عاصم جَذْوَةٍ بنصب الجيم، وقرأ حمزة جَذْوَةٍ بضم الجيم، وقرأ الباقون جَذْوَةٍ بالكسر، فهذه لغات معناها واحد، يعني: قطعة من النار. ويقال: شعلة، وهو عود قد احترق بعضه لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي: لكي تصطلوا من البرد، فترك امرأته في البرية وذهب.

[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٢]

فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)


(١) عزاه السيوطي: ٦/ ٤٠٩ إلى البزار وأبي يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس و ٤/ ٤١٠ أخرجه ابن مردويه عن جابر.

<<  <  ج: ص:  >  >>